وألقى طارق طليطلة خالية، ليس فيها إلاَّ اليهود في قوم قلة، وفرّ علجها مع أصحابه، ولحق بمدينة خلف الجبل. وتبعهم طارق، بعد أن ضمّ اليهود، وخلى معهم بعض رجالة وأصحابه بطليطلة؛ فسلك إلى وادي الحجارة؛ ثمّ استقبل الجبل؛ فقطعه من فج يسمى به إلى اليوم؛ فبلغ مدينة خلف الجبل، تسمى مدينة المائدة.
ثمّ فتح مدينة المائدة؛ فوجد فيها مائدة سليمان بن داود - عليهما السلام! وكانت من زبرجدة خضراء، حافاتها وأرجلها منها؛ وأصاب بها مالا وحليا كثيراً؛ ثم انصرف إلى طليطلة. هكذا آثر الناس هذا كله، على أنَّ طارقا صنعه. وقال آخرون: بل، أقام طارق حيث كانت الوقعة، وجاز إليه موسى. وقيل: بل، وجده بقرطبة.
وفي سنة ٩٢ من الهجرة، دخل موسى بن نصير الأندلس في رمضان، بعد دخول طارق بسنة، ومضى غازيا فيها، مفتتحا لحصونها هذه السنة وسنة أربع وبعض سنة خمس؛ فافتتح جميع حصونها، وهزم جميع من لقيه من أمرائها؛ فلم يلق كيداً من أحد، ولا انهزمت له راية، حتى انتهى إلى مدينة من مدن إفرنجة، يقال لها لوطون، وقد ملك ما سواها ودونها إلى أقصى برسلونة. فلما انتهى إلى مدينة لوطون، ضاق المسلمون، وخافوا أن يحاط بهم؛ فكلموه في ذلك؛ فقفل بهم راجعا. قال مُؤلِف (كتاب بهجة النفس) : ورأيت في بعض كتب العجم أن المسلمين انتهوا إلى مدينة لوطون قاعدة الإفرنج، ولم يبق لأهل الإسلام شيء لم يتغلبوا عليه مما وراء ذلك، إلاَّ جبال قرقوشة وجبال بنبلونة وصخرة حليقية؛ فأما الصخرة، فلم يبق فيها مع ملك حليقية سوى ثلاثمائة رجل،