ثم ولي عقبة بن الحجاج السلولي في شوال سنة ١١٦. وقالوا: في ولايته كان عبيد الله بن الحبحاب عامل مصر وإفريقية؛ فقدم عليه عقبة بن الحجاج، وكان مولاه؛ فأكرمه، وبرَّه، ورفع شأنه وقدره، وأنزله في مكانه، وخبره في ولاية ما شاء من سلطانه. وكان الحجاج أبو عقبة قد أعنق الحبحاب أبا عبيد الله؛ فولى هشام بن عبد الملك عبيد الله بن الحبحاب مصر وإفريقية والأندلس؛ فكان له من العريش إلى طنجة إلى السوس الأقصى إلى الأندلس وما بين ذلك؛ وكان أحد بنيه بمصر، والثاني بالسوس وطنجة، والثالث بالأندلس؛ وكان عبيد الله بإفريقية. فلما شرف عبيد الله، وعلت منزلته، وانتشر ذكره، وفد عليه مولاه عقبة؛ فأجلسه معه على فراشه، وأدناه من نفسه، وقربه، حتى عظمت منزلته في الناس؛ فكان يقصده الطالبون وذوو الحاجات، يتوسلون به إلى عبيد الله. فغص به بنو عبيد الله، وقالوا لوالدهم:(اصرفه عنا لئلا يكسر شرفنا!) فما زاده ذلك عنده إلا تعظيما وتكريما، وخبره في ولاية ما شاء من سلطانه؛ فاختار الأندلس؛ فولاه عليها. وكان يجاهد المشركين في كل عام، ويفتتح المدائن. وهو الذي فتح مدينة أربونة، وافتتح جليقية وبنبلونة، وأسكنها المسلمين. وعمت فتوحاته جليقية كلها غير الصخرة؛ فإنه لجأ إليها ملك جليقية، وكان بها في ثلاثمائة راجل. فما زال المسلمون يضيقون عليهم، حتى صاروا ثلاثين رجلا، وحتى فنيت أزودتهم، ولم يتقوتوا إلا بعسل يجدونه في خروق الصخرة. وأعبى المسلمين أمرهم؛ فتركوهم. وأقام عقبة بالأندلس بأحسن سيرة وأجملها، وأعظم طريقة وأعدلها، إلى أن غزا أرض إفرنجة؛ فلقيته جيوش الأعداء؛ فقتل هو ومن معه ببلاط الشهداء. وذكر عنه أنه كان صاحب بأس ونجدة، ونكاية للعدو وشدة. وكان إذا أسر الأسير، لم يقتله حتى يعرض عليه دين الإسلام، ويفتح له عبادة الأصنام. فيذكر أنه أسلم على يديه بهذا الفعل ألف رجل. وكانت ولايته خمسة أعوام وشهرين.