للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطالعها متنقلا، إلى أن توفى الحكم؛ فانفصم عنده المحكم، وانبرت إليه النوائب، وتسددت له الخطوب بسهام صوائب؛ واستولي عليه الكسل، وأسرعت إليه الذوابل والأسل، وتعاوره الإدبار، وساوره من المكروه ما فيه اعتبار؛ وانتقل إلى المنصور ذلك الأمر، واختص به كما اختص بيزيد أخوه الغمر، وأناف في تلك الخلافة كما شب قبل اليوم عن طوقه عمرو؛ فاعتقل بتلك النجاد، واستبد به دون أولئك الأمجاد، وانبرى إلى المصحفي بصدر كان قد أوغره، وجد سام طال ما استقصره؛ فأباده ونكبه، وسلب جاهه وانتهبه، وأقنص من تلك الإساءة، وأغصَّ حلقه بكل مساءة، وألهب جوانحه حزنا؛ ونهب له مدخرا ومختزنا، ودمر عليه ما كان حاط، وأحاط به من مكروهه ما أحاط؛ فبقى سنين في مهوى النكبة، وجوى تلك الكربة، ينقله المنصور معه في غزواته، ويعتقله بين أظفار التضييق أو في لهواته، وهو يستعطف ويستميل، فلا يتحقق له رجاء ولا تأميل، إلى أن تكورت شمسه، وقاضت بين أنياب المحن نفسه؛ فاغتيل في المطبق، ونفذ فيه أمر الله وسبق.

[بعض أخبار المنصور محمد بن أبي عامر في ابتدائه]

نسبه: هو أبو عامر محمد بن أبي حفص عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عامر بن أبي عامر محمد بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك، الداخل إلى الأندلس مع طارق؛ وكان له في فتحها أثر جميل؛ وكان في قومه وسيطا؛ وقد ذكره محمد بن حسين الشاعر العالم بأخبار الأندلس في بعض أمداحه للمنصور هذا، فقال (طويل) :

وَكُلُّ عَدُوٍّ أنت تَهْدِمُ عَرشَهُ ... وَكُلُّ فُتُوحٍ عنك يُفْتَحُ بَابُها

وإنَّك من عبد الملِيك الذي له ... حُلَى فضتحِ قَرطَاجَنَّةٍ وانتِهابُها

جَبَاها أبو مَروانَ جَدُّك قابضاً ... بكفٍّ تليدٌ طعْنُها وضِرابُها

فإنْ سَنَحَتْ في الشِركِ من بَعْدِ فَتحِهِ ... فُتُوحٌ فَمَصْرُوفٌ إليك ثَوَابُها

<<  <  ج: ص:  >  >>