حملهم، ونالهم التعب في ازدحامهم؛ فسارع المستنصر إلى الزيادة فيه؛ فخرج لتقديرها، وتفصيل بنيانها، وأحضر الأشياخ والمهندسين؛ فحدوا هذه الزيادة من قبلة المسجد إلى آخر الفضاء مادا بالطول لأحد عشر بلاطا. وكان طول الزيادة من الشمال إلى الجنوب خمسة وتسعين ذراعا؛ وعرضها من الشرق إلى الغرب مثل عرض الجامع سواء؛ وقطع من هذا ساباط القصر المتخذ لخروج الخليفة إلى الصلاة إلى جانب المنبر بداخل المقصورة؛ فجاءت هذه الويادة من أحسن ما زيد في المسجد قبل وأشده وأتقنه.
[ذكر الحبس الذي حبس المستنصر بالله على الجامع بقرطبة]
لما كملت زيادته، أحضر الفقهاء والعدول الشهداء وأعيان الناس ووجوههم وقضاتهم وأئمتهم. فحمد الله، وأثنى عليه، وجدد شكره على توفيقه، لإجراء هذه البنية الكريمة على يديه، وأنه تلقى هذه النعمة العظيمة بأن حبس ربع جميع ما جرته إليه الوراثة عن أبيه أمير المؤمنين في جميع كور الأندلس وأقاليمها على ثغور الأندلس كافة تفرق عليهم غلات هذه الضياع عاما بعد عام على ضعفائهم إلا أن تكون بقرطبة مجاعة، فتفرق فيهم إلى أن يجبرهم الله. وجعل القبض والنظر في هذا الحبس إلى حاجبه وسيف دولته جعفر؛ وجعل دفع ذلك إلى وزيره وكاتبه عيسى بن فطيس. وأشهد الحاضرين على ذلك، وأشهد أيضا بعتق كل مملوك له من الذكران، وخرج غازيا إلى بلاد المشركين.
وفي سنة ٣٥١، غزا الحكم المستنصر بالله بلاد الروم؛ ففتح بها حصونا كثيرة ومدنا جليلة، وسبى وغنم، وانصرف غانما ظافرا.
وفيها، وفد عليه أبو صالح زمور البرغواطي رسولا من ملك برغواطة أبي منصور عيسى بن أبي الأنصار؛ فسأله الحكم عن أنساب برغواطة ومذاهبهم؛ فأخبره بما تقدم في الجزء الأول.