الحمد الله مصرف الأقدار ومحيي الآثار والمتعالي عن الأشباه والأنظار، المتنزه عن تمثيل الأوهام وتكييف الأذكار الذي احتجب بحجاب عزته وقدرته فلا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار الذي خضعت لهيبته وعظمته رقاب الأكاسرة والجبابرة والأشرار، العالم بالكونين على اختلافها والحوادث مع تشتيت أوصافها، وكل شيء عنده بمقدار، مكور الليل على النهار، والنهار على الليل ما جرى الفلك الدوار وجعلهما آيتين بينتين للمتفكر في العظة والاعتبار وخص الإنسان بفضل النظر والاستبصار فقال جل وتعالى " فاعتبروا يا أولي الأبصار " وعلمه ما لم يكن يعلم وكرر عليه ما لم يلحق من انباء القرون الماضية في الأزمان والأعصار وأراه متقلبهم في هذه الدنيا الفنية التي جعلها لهم دار انتقال، ومفر وزوال، وجعل الأيام بينهم دولا والأقوام بعضهم من بعض بدلا ذلك تقدير العزيز القهار نحمده على ما نعم به علينا من الهداية للنظر في مواقع الأدلة بأن هو الله الملك الغفار ونشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، الذي اختار لرسالته وختم به الرسل الكرام الأبرار، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وصحبه الأكرمين الأخيار، وسلم كثيراً.
وبعد جعلنا الله ممن نظر فاعتبره، ووعظ فازدجره فإن خير ما شغلت به الأذكار والأفكار، وتحدثت معه الليل والنهار، حفظ ما فاد من العلوم والأخبار وأن أولى ما ريضنا به النفوس البشرية مجالسة العلماء والأخيار، ومذاكرة الأدباء ذوي الهمم وعلو المقدار، ففي مجالستهم ومذاكرتهم