ما يسحر الذهن وينور الأفكار فان فقدت مجالستهم فلا عوض منها غير كتاب يتخذه جليسه ويجده في كل وقت أنيسه ويتنسمه روضا يانع الأزهار وإذا نظر اللهيب بفطنته إلى أصناف العباد ومختلف الآباد أغناه ذلك عن المشاهدة وقام له الاستماع مقام المعاينة والاستخبار.
قال المؤلف: ولما كنت كلفت بأخبار الخلفاء والأئمة والأمراء بالبلاد الشرقية والمغربية وما والاهما من الأقطار، وولعت بالمناظرة في ذلك مع الفضلاء والأخلاء ذوي الأقدار والأخطار، طلب بعضهم إلي، ممن يجب إكرامه على، أن أجمع له كتابا مفردا في أخبار ملوك البلاد الغربية على سبيل الإيجاز والاختصار، ولازمني في طلبه مرارا، فلم يمكنني التوقف في ذلك ولا الاعتذار وحملني على جمعه وتأليفه حمل اضطرار لا اختيار، فجمعت له في هذا الكتاب نبذا ولمعا من عيون التواريخ والأخبار، مما جرى الله به تصاريف الأقدار فيما مر من الأزمنة والأعصار في بلاد المغرب وما والاهما من الأقطار: جمعت ذلك من الكتب الجليلة مقتضيا من غير إسهاب ولا إكثار فاقتطفت عيونها واقتضبت فنونها ووصلت الحديث بالقديم والقديم بالحديث لأنه إذا اتصل يستظرف ويستحلى كما قال بعضهم:
وسئت كل مآربي ... فكأن أطيبها خبيث
إلا الحديث فأنه ... عند اسمه ابدأ حديث
فنقلت والله ولي التوفيق من تاريخ الطبري والبكري والرقيق والقضاعي ومن كتاب (الذيل) لابن شرف ومن كتاب ابن أبي الصلت ومن (المجموع المفترق) ومن كتاب (بهجة النفس وروضة الأنس) ومن كتاب (المقباس) و (القبس) ومن مختصري عريب وابن حبيب ومن (درر القلائد وغرر الفوائد) ومن (القلائد) و (المطمح) لابن خاقان ومن كتاب ابن حزم (ذخيرة) ابن بسام ومن (أخبار