وركب عبد الله بن الصائغ في البحر يريد المشرق؛ فألقاه البحر بمدينة طرابلس، وبها زيادة الله. فأتى إليه به؛ فقربه وأدناه، وعاتبه في فراره عنه؛ فأعتذر إليه ابن الصائغ بما اخذ من الحيرة والخوف؛ فهم زيادة الله باستيحائه؛ فأشار إليه كل من معه من أهله وقواده بقتله؛ فأمر راشدا الأسود بضرب عبقه؛ فقتله. وكان يحكى علي بن إسحاق بن عمران المتطبب إن عبد الله بن الصائغ كان، إذا رأى راشدا الأسود قبل ذلك، أربد وجهه؛ وإذا ذكر له تنكر سروره، حتى يعرف ذلك كل من حضره. قال: فسألته يوما عن ذلك؛ فقال لي:(تحدثني نفسي أن ملك الموت يقدم علي في صورة راشد الأسود، عبد قبضه لروحي؛ فإذا رأيته، لم املك من البصر شيئاً)
[ذكر دولة الشيعة]
وبلغ أبا عبد الله الشيعي هروب زيادة الله. فتحرك من الأربس يريد القيروان. فهال الناس أمره، وخافوه على أنفسهم. وخرج إليه الفقهاء ووجوه الناس؛ فقطع بهم محبوب بن عبد ربه الهواري بوضع يعرف بحفص باروقس، بين مدينة جلولا وحمام السرادق؛ وذلك يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأخير؛ فانصرفوا أقبح انصراف، وكتبوا إلى عبد الله، يذكرون ما دار عليهم، ويعنذرون بذلك إليه، ويسألونه ان يحد لهم موضعا يلقونه، فأجابهم:(موعدكم ساقية ممس يوم السبت.) وبعث أبو هبد الله غروية بن يوسف الملوسي بقطيع من الخيل لضبط مدينة رقادة، وتحصين ما أدرك بها من الأموال؛ فنزل عليها يوم الجمعة لانسلاخ جمادى الأخير؛ فألقى الناس بين داخل وخارج؛ فأمر الخارج ألا يعود، والداخل بالخروج فارغا. ولم يكن منه إلى الناس إلا خير. وفيها أقبل إلى مدينة رقادة في سبعة عساكر، وعدد من