ومعه وجوه رجاله وفتيانه وعبيده، (وأخذ طريق الجادة) حتى لحق بمدينة إطرالبس. وكان عبد بن الصائغ يتقلد جميع أوامره (وينظر على أهل خدمته) فوطأ خزان الأموال على انقطاع ثلاثين حملا من المال، في كل حمل ستة عشر ألف مثقال؛ فواعدهم موضعا يجتمع فيه معهم؛ فأخطئوه في الليل، وخرجوا إلى مدينة سوسة؛ فقبض عليهم ابن الهمداني عاملها، وخزنها في قصر الرباط بسوسة، حتى صارت إلى الشيعة. وأصبح الناس من ليلة خروج زيادة الله هاربا إلى مدينة رقادة، فأنتهبوها وأخذوا من بقايا أموال بني الأغلب ومتاعهم وصنوف الآنية من الذهب والفضة وما لا يحيط به وصف. ورجع القوى يأخذ من الضعيف ما سبق إليه. والهارب أبو مضر زيادة الله بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الأغلب، المعروف بخزر ابن إبراهيم بن الأغلب بن سالم بن عقال التميمي. وكانت ولايته بأفريقية خمس سنين وأحد عشر شهرا وأربعة أيام. وكانت إمارة بني الأغلب بأفريقية مائة سنة، وإحدى عشرة سنة ن وثلاثة أشهر.
ثم أن إبراهيم بن الأغلب، المنهزم من الأربس، أقبل إلى القيروان فيمن بقى معه من القواد. قفنزل بدار الإمارة. وبعث في وجوه الناس، وجعل يظهر عندهم عتب زيادة الله، ويأخذ في انتقاصه، وأنه أسند أمر المسلمين إلى من كان يسعى في زوال ملكه. وقال للناس:(أن كتامة مفسدون في الأرض ناصحون لله ولهدا الدين، وأمدوني بالرجال والأموال) وحضر صلاة الظهر؛ فسلم على رأس الإمارة؛ ثم أجتمع إليه الناس وقالوا له:(بلدنا لا يعرف الفتن، ونحن لا نقوم بالحرب؛ وأنت لم تستطع دفع كتامة بالعساكر والسلاح والمال! فكيف نقوى نحن على دفعهم بأموال؟) ثم صاح الناس به: (لا طاعة لك علينا، ولا بيعة في أعناقنا! فأخرج عنا!) فركب فرسه، وشهر سيفه ودف الفرس، ونجا هاربا حتى خرج من باب أبي ربيعة، ولحق بزيادة الله.