مسنة من أرض العدوة، مع بدر الفتى الكبير صاحب السيف، لتنفيذ العدد فيها من أجل جولان جوهر قائد معد الشيعي صاحب القيروان بأرض العدوة؛ فنفذوا لأمره، ومكثوا كذلك إلى أن أمنت الحادثة؛ فانصرفوا مع القائد بدر، آخر ذي الحجة من السنة.
وفي سنة ٣٤٩، كان ابتداء علة الناصر، وذلك يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة خلت من صفر، وذلك نصف النهار منه، طرقت أمير المؤمنين الناصر علته الصعبة من الريح الباردة؛ فأرجف به، وخيف عليه، وأكبت الأطباء على معالجته، إلى أن ظهر عليه تجفيف؛ فتجشم القعود لخاصته في العشر الأوائل لجمادى الأولي. فوصل إليه الفتيان الأكابر، وصاحب الطراز، وخواص أكابر العبيد كمظفر وذويه؛ فاستبشر أهل المملكة بما بدا لهم من انحطاط مرضه، وسألوا الله كمال عاقبته؛ والقضاء قد سبق بموته من علته؛ فلم تفارقه، تخف حينا وتثقل حينا، إلى أن قضت عليه في سنة ٥٠ التي بعد هذه.
[بعض أخبار الناصر على الجملة]
كان الناصر - رحمه الله - ملكا أزال الأواء؛ وحسم الأدواء، وقهر الأعادي، وعدل في الحاضر والبادي؛ قد أسس الأوس؛ وغرس الغروس واتخذ المصانع والقصور، وترك أعلاما باقية إلى النفخ في الصور. فاعتبر بالزهراء كم بها من قصر مشيد، وآثار ملوك صيد؛ قد عادت معاهدها بعدهم دارسة، وآثارها دونهم طامسة؛ تنفي الرياح بجنباتها، وتبكي الغيوم على عرصاتها. ولما ولي الناصر لدين الله، اعتز ركن الدين، واحتمى ذمار المسلمين، وقام الجهاد على ساق، وخمدت نار الخلاف والشقاق، ودخل الناس