لخلف بن بكر صاحب أكشونية أموالا وعدة وسلاحا؛ فغنم ذلك الحشم وأهل العسكر، وصار لهم نقلا. ثم تلقى رسل خلف بن بكر أمير المؤمنين، مظهرا للإنابة، وملتزما للطاعة، ومتوسلا ببعد الدار والقاصية، وأخرج إلى الناصر النزائل، وأقام له الوظائف، والتزم إدرار الجباية الكاملة؛ وأظهر أهل ذلك الجانب فيه رغبة شديدة، ووصفوه بسيرة حميدة، فأقره الناصر عليهم، وفرض عليه من الجباية ما التزم إيراده له في كل عام، وعهد إليه بحسن السيرة، والرفق بالرعية، وألا يقبل نازعا، ولا يكتنف هاربا؛ فالتزم جميع ما أمر به، ووقف عندما حد له.
وقفل الناصر عن مدينة أكشونبة يوم السبت لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة، ودخل القصر بقرطبة يوم الأحد لأربع عشرة ليلة خلت من رجب، وقد استتم في غزاته ثلاثة وتسعين يوما.
[مطالعة أمير المؤمنين الناصر لببشتر في الشتاء]
وفي هذه السنة، كانت للناصر خرجة من قصر الناعورة، طالعا لببشتر ومعاينا لما قام من البنيان بها، وما تم من ترتيبه فيها. وكان خروجه من منية الناعورة يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال، ونزوله بجبل ببشتر يوم الخميس لعشر بقين منه. فدخل المدينة، وجال فيها، وأحكم ما له قصد من أمرها؛ ثم صدر عنها في اليوم الثاني، ودخل القصر بالناعورة يوم الثلاثاء لأربع بقين من شوال؛ وكانت مدَّة توجهه وانصرافه ثلاثة عشر يوما.
وترددت الفتوحات في هذا العام بوقائع كانت على أهل بطليوس؛ وبعث أحمد بن إسحاق من أهلها بسبعين أسيرا، وقتلوا صبرا بين يدي قصر قرطبة.
وافتتحت فيه مدينة شاطبة من بلنسية، واستنزل عنها عامر بن أبي جوشن على يدي دريّ بن عبد الرحمن صاحب الشرطة؛ واشترط عامر بسكنى شنت برية، حتى يأخذ في انتقال ثقله وعياله إلى قرطبة.
وفي هذه السنة، ولي الناصر عبد الملك بن عمر بن شهيد، وعيسى بن أحمد