المدينة أحمد بن عبد الوهاب بن عبد الرؤوف. وكان احتلاله بالجيوش على مدينة بطليوس يوم الخميس لسبع بقين من ربيع الآخر. وواضعهم الحشم القتال في أفنيتهم وعلى أبواب دورهم، وتقحموا عليهم داخل أرباضهم، وقتلوا منهم في ثاني احتلالهم عليهم جملة بعثت رؤوسهم إلى قرطبة. وقطعت ثمارهم، وأحرق ما أخلوه من ديارهم خارج سورهم؛ وبقوا محصورين في المدينة. وأقام عليهم الناصر عشرين يوما؛ ثم أبقى عليهم أحمد بن إسحاق في قطيع من الجند، وانتقل إلى جهة ماردة؛ فأصلح الأحوال بها، وولاها محمد بن إسحاق، وندب معه عدة من الحشم) . ثم عاد - رحمه الله - إلى مدينة بطليوس؛ فاضطربت عساكره عليها من غير الجهة التي كانت اضطربت فيها أولا؛ وتولي من نكايتهم وأليم محاصرتهم، ما أذاقهم به وبال عصيانهم، وعاقبة غيهم، وضلالهم. ثم أرتب عليهم أحمد بن إسحاق قائدا في جيش كثيف، ورجال منتقين، وعدد كاملة، وأمره بالتشدد في حصرهم، والاستبلاغ في مضايقتهم. وانتقل ناهضا إلى مدينة باجة؛ فنزلها يوم الأحد مستهل جمادى الآخرة، واضطربت عساكره عليها، وتقدَّم بالإعذار إلى عبد الرحمن بن سعيد بن مالك الذي كان بها، ودعاه إلى الطاعة؛ فلاذ والتوى؛ فتصبت المجانيق عليه، وحورب أشد محاربة، وقتل من رجاله عدد كثير. وانحطت بعض أبراج المدينة بمن كان عليها؛ فضربت رقابهم بين يدي المظل؛ فاستأمن عبد الرحمن بن مالك، وأهله، وجميع أهل باجة أمير المؤمنين الناصر، وخضعوا لأمره، ونزلوا على حكمه؛ فأوسعهم أمانه، وأخرجوا عن المدينة، ونقلوا إلى قرطبة. ودخلها الناصر، وولاها عبد الله بن عمر بن مسلمة، وندب معه فيها قوة، وأكتف له الجمع والعدة، وأمره بابتناء قصبة فيها، ينفرد بها العامل ويسكنها.
وكان مقام الناصر على باجة خمسة عشر يوما. ثم انتقل منها قاصدا إلى مدينة أكشونبة بقرب الساحل الغربي من البحر المحيط؛ فاحتل بها يوم الاثنين لسبع بقين من جمادى الآخرة؛ وكان قد افتتح في طريقه حصن الوقاع، وأصاب فيه