للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قصة الكناني مع هشام بن عبد الرحمن]

كان قبل خلافته يقعد في علبة مطلة على النهر، ينظر منها إلى الربض، وتقع عينه على من يخطر. فنظر يوما في الهاجرة إلى رجل من بني كنانة؛ وكان من صنائعه، مقبلا من باديته بجيان؛ وكان أخوه سليمان واليا عليها؛ فدعا فتى له وقال له: (أرى الكناني صنيعنا مقبلا في هذه الظهيرة، وما أحسب ذلك إلا لخطب أقلقه من أبي أيوب أخي. فإذا وصلك، فأدخله على كما هو.) ففعل الفتى ما أمره. وكانت مع هشام جارية له. فلما دنا الكناني، رفع سترا كان أمامه؛ فدخلت الجارية خلفه؛ ثم قال له، بعد أن سلم عليه: (يا كناني، لا أحسبك إلا قد دهمك أمر!) فقال له الكناني: (قتل رجل من بني كنانة رجلا خطاء؛ فحملت الدية على العاقلة؛ فأخذت بنو كنانة عامة، وحيف عليّ من بينهم خاصة، لما عرف أبو أيوب مكاني منك. فعذت بك من ظلامتي!) فقال له: (يا كناني! ليفرج روعك وليسكن جأشك لا جرم قد تحمل هشام عنك وعن قومك جميع الدية!) ثم مد يده إلى خلف الستر؛ فأخرج عقدا كان على الجارية، ثمنه ثلاثة آلاف دينار؛ فقال له: (خذ هذا العقد؛ فأد من ثمنه عنك وعن قومك، وتوسع في الباقي!) فقال الكناني: (يا سيدي! إنه لم آتك مستجديا ولا ضاق لي مال عن أداء ما حملته؛ ولكني أتيتك مستجيرا بك لما أصبت بالعدوان والظلم؛ فأحببت أن تظهر على من عز نصرك!) قال له: (فما وجه نصرك؟) قال له: (أن يكتب الأمير - أصلحه الله! - إلى أبي أيوب في الإمساك عن أخذي بما لم يجب عليّ، وأن يحملني محمل عامة أهلي!) فقال له هشام: (خذ العقد لأهلك ولنفسك، إلى أن ييسر الله فيما ذهبت إليه من أمرك!) ثم أمر هشام بإسراج دابته من فوره، وركب إلى أبيه الأمير عبد الرحمن. فلما مثل بين يديه، قال له: (رجل من بني كنانة، هو لي صنيعة،

<<  <  ج: ص:  >  >>