وذلك أنه، لما سمت الحال بمحمد بن أبي عامر، واستتب أمره، أعمل الحيلة والتدبير في إسقاط جعفر بن عثمان، والانفراد بالدولة؛ فلم يجد لذلك سببا أقوى من مظاهرة الوزير أبي تمام غالب الناصري، صاحب مدينة سالم والثغر الأدنى، شيخ الموالي قاطبة، وفارس الأندلس يومئذ غير مدافع له؛ وكان بينه وبين الحاجب جعفر بن عثمان عداوة ومنافسة. والثاثت حال غالب صدر دولة هشام في سنه ولايته لما ملك جعفر أمرها، وبان تقصير غالب في مدافعة أعداء الله، وخاف أن يصل أمره إلى الخلاف والمعصية؛ فأشار ابن أبي عامر في استصلاحه ورعى ذمامه. ولم يزل ابن أبي عامر يقوم بشأنه، ويخدمه داخل الدار عند السيدة أم هشام وسائر الحرم، حتى تم مراده فيه كي يستعين به على إهلاك المصحفي؛ فأنهض غالبا إلى خطة الوزارتين، وأنفذ إليه كتاب الخليفة بذلك، وأمره بالاجتماع مع ابن أبي عامر على التدبير على الصوائف، على أن يدير ابن أبي عامر جيش الحضرة، ويدير غالب جيش الثغر.
[غزوة ابن أبي عامر الثانية]
وخرج محمد بن أبي عامر بالصائفة يوم الفطر من سنة ٣٦٦؛ فاجتمع مع غالب بمدينة مجريط. وأصل معه من التظافر على جعفر ما أصاب به النكتة من قلبه؛ واتفقا وتوافقا. وخدم ابن أبي عامر غالبا في سفره هذا خدمة ملك بها نفسه؛ فمال إليه غالب بكلمته. واستمرا في غزوهما، وافتتح حصن مولة، وظهرا فيه على سبي كثير، وغنم المسلمون أوسع غنيمة. وكان أكثر الأمر فيها لغالب؛ فتجافى عنه لابن أبي عامر. وسار معه إلى ثغره، ومنه فارقه، بعد أن أبلغ في مواطأة محمد بن أبي عامر على عدوه جعفر بما أراده؛ وقال غالب لابن أبي