على هشام وسلبه ملكه. فأنفذ له ابن أبي عامر واضحا الفتى في جيش كثيف؛ فقاومه بالغرب؛ ودارت بينهم حروب عظيمة. ثم أردفه ابن أبي عامر تولده عبد الملك، وهبط ابن أبي عامر إلى الجزيرة الخضراء، يمدهم بالقواد والأجناد، وسار عبد الملك بن أبي عامر من طنجة إلى زيري بن عطية؛ ودارت بينهم حرب، لم يسمع بمثلها قط. ثم انهزم زيري ومن معه، ونجا مثخنا بالجراح. وملك ابن أبي عامر بلاد الغرب إلى سنة ٣٩٧.
(وكان أول من ملك سبتة من بني أمية وملك منها الغرب) عبد الرحمن الناصر؛ وسبب ذلك أنه وجه إليها أسطولا. فلما حلت بسبتة، أعلن أهلها بدعوته، وبادروا إلى طاعته، يوم الجمعة صدر ربيع الأول من سنة ٣١٩. ثم تتابعت البلاد بالطاعة؛ ثم تكاثر ورود وفودها عليه وعلى الحكم ابنه؛ ثم التاثت طاعتها على ابن أبي عامر؛ فوجه واضحا فتاه؛ فسكن في جبل أبي حبيب عاما في الأخبية؛ ثم وجه بابنه عبد الملك إليها؛ فالتقى بزيري وهزمه، وغدره ابن عمه الخير بن مقاتل؛ فطعنه برمح في قفاه وهرب. ومات بعد ذلك زيري من الجرح بعدما لقي جموع صنهاجة، أصحاب إفريقية، وهزمهم.
وانصرف عبد الملك بعدما استقامت له الطاعة بالغرب؛ فوجد أباه في غزاته بلاد البشاكشة منصرفا عنها. والتقى به بسرقسطة؛ وهي التي تسمى بغزاة البياض، سنة ٣٧٩.
وفي سنة ٣٧٩، قتل المنصور بن أبي عامر عبد الرحمن بن مطرف صاحب سرقسطة والثغر الأعلى؛ وسبب ذلك أنه، لما فكر عبد الرحمن في شأن من أتلفه ابن أبي عامر من كبار رجال الدولة، علم أنه لم يبق غيره، وخشي أن يلحقه بالجماعة. فسول له القدر المتاح التدبير على محمد؛ وقرب عليه مأخذه ولده عبد الله بن المنصور.