حاقدا عليهما، حتى قتلهما بعد الامتحان. وأزداد ابن أبي عامر بما فعله بابنه هيبة، وملئت قلوب الناس منه ذعرا.
ومما حكى في أمر عبد الله المقتول، قال الوزير أبو عمر بن عبد العزيز: لما قتل المنصور ابنه، ارتاع الناس لذلك، وأوحشهم فعله؛ فتكلموا في ذلك كثيرا، ورجموا فيه الظنون، ولم يتوجه لأحد فيه سبب يقضي بقتله. ثم تحرك المنصور إثر ذلك في بعض غزواته، فلما احتل بقلعة رباح؛ قال المخبر: دعينا إلى الطعام، فقال من حضر على لسان واحد: أيد الله المنصور! لقد صرت من قتله في غاية يعدم الصبر في مثلها. فما سبب ذلك؟) قال:(لا أعلم أن أسلو عنه. فابتعتها، متجاوز النهاية في ثمنها، وجعلتها عند قريبة لي. وكنت كل يوم أخطر عليها أتعرف استبراءها؛ فلما أحست بحبي لها، وكلفي بها، توخت رضائي، وذكرت لي أنها قد استبرأت، وهي كاذبة في ذلك، تريد بذلك موافقة مساري واستعجال مرادي؛ فدخلت بها، وهي لم تستبرأ؛ فكنت شاكا فيه.) وكان مولده سنة ٣٥٨.
حكاية زطرزون البربري مع المنصور. - وجرت للمنصور غبَّ ذلك مع رجل من أعيان البربر اسمه زطرزون بن نزار البرزالي نادرة؛ وذلك أنه قال يوما، وقد بسطه في بعض المجالس:(يا مولاي لم قتلت عبد الله ابنك؟) ووصف شجاعته وخصاله؛ فقال له المنصور:(لا يسوك ذلك! فلو لم أفعل لقتلني. ما كان من ولدي! وبهذا اتهمت أمه وكانت أمه سوء. وقد قالوا إنَّ الأرحام الردية تفسد الذرية) . فقال الجاهل زطرزون:(كذا يا مولاي؟ فحرام أمه وجرم أبيه) ؛ فخجل المنصور وقال:(شقينا بهذا الملعون في حياته وبعد موته!) وعلم ما كان عليه زطرزون من الجهالة؛ فأعرض عنه. وصارت كلمته مأثورة في الناس مدَّة طويلة.