له؛ فتقدم عليهم محمد بن أبي عامر؛ فكان يطأ عقبه منهم خمسمائة غلام، فاشتد بهم أرزه، وفخم أمره، وقدمهم في الإنزال والعطاء؛ فأحبوه؛ ثم انقلب بنو برزال إلى محمد بن أبي عامر، وصاروا في قيادته. فاعتز بالطائفتين، وقهر عدوه، وتبعه سائر الجند. فهان أمر الصقالبة عنده.
ثم إن جوذرا الفتى استأذن السلطان في الخروج إلى داره مستعفيا من الخدمة، وهو يظن أنه لا يجاب إلى ذلك؛ فأذن له في الخروج؛ فاشتد وعيد أصحابه، وزاد كلامهم؛ وكان أجسرهم على ذلك دري الفتى الصغير، لما فيه من التمرد والجهالة؛ فحرك جعفر ابن أبي عامر لإزالته والراحة منه، وقال:(حاول عليه!) فدس إلى رعبته ببياسة، وأمرهم بالشكوى به وبعماله، ووعدهم العدوى عليه والإراحة من جوره؛ فسارعوا إلى ذلك. ورفع الحاجب جعفر قصته إلى السلطان، وقد أحكم ابن أبي عامر شأن التدبير عليه؛ فخرج التوقيع بالجمع بين ذري وبينهم، والنظر في مصالحهم؛ فاستدعى دري إلى بيت الوزارة؛ فلما أشرف على الدار، ورأى من أعد فيها، أحسن بالشر؛ فخنس راجعا؛ فمنعه ابن أبي عامر، وقبض عليه؛ فتجاذبا؛ فبطش دري بابن أبي عامر، وقبض على لحيته؛ فصاح محمد بن أبي عامر بمن حضر من الجند؛ فاحتشم الأندلسيون دريا، وأسرع بنو برزال إلى إجابته؛ فتقدموا إلى دري، فأوجعوه ضربا؛ ولحقته ضرية بصفح السيف، أزالت عقله، وحمل للوقت إلى داره؛ فعوجل من ليلته بالقتل. وأمر في الوقت فائقا وجماعة من كبارهم بالخروج إلى ديارهم والتزامها؛ فخرجوا إليها. وانحصدت شوكة الصقالبة حينئذ، وفل حدهم؛ وتجرد ابن أبي عامر لطلبهم، فاستخرج منهم أموالا جمة. وآلت حال فائق إلى أن صير إلى الجزائر الشرقية؛ فمات هنالك.
وفي خروج الصقالبة من القصر، يقول سعيد الشنتريني الشاعر (سريع) :