ما أذكره: وذلك أنه لما توفى الحكم، خفى موته على وزيره جعفر وسائر أهل المملكة لطول تردده في العلة، وتفرد بعلم ذلك في وقته خادماه الخاصان به: فائق وجوذر؛ فاستظهرا بكتمان ذلك، وتقدما في ضبط الدار، وخلوا للتشاور، وقد عزما على رد الأمر للمغيرة بن الناصر، أخي مولاهما الحكم، خشية من انتثاره على ابنه هشام، لصغر سنه، وإنكار الناس لتقديمه على أن يقر ابن أخيه هشاما على العهد بعده؛ فيمنا على المغيرة بسوق الخلافة إليه، وبقيا لمولاهما بارتقاب كبر ولده، ويكون الملك في أيديهما بحاله؛ وكان رأيا حسنا لو أراد الله به.
فلما اتفقا على ذلك، قال جوذر لفائق:(ينبغي أن نحضر جعفر بن عثمان الحاجب؛ فنضرب عنقه؛ فبذلك يتم أمرنا) . فقال له فائق:(سبحان الله يا أخي! تشير بقتل حاجب مولانا وشيخ من مشيختنا دون ذنب، ولعله لا يخالفنا فيما نريده، مع افتتاحنا الأمر بسفك الدم.) فأرسلا في جعفر بن عثمان؛ فحضر: ونعيا إليه الحكم، وعرضا عليه ما أجمعا عليه من الرأي. فقال لهما جعفر:(هذا، والله! أسد رأي وأوفق عمل؛ والأمر أمركما؛ وأنا وغيري فيه تبع لكما. فاعزما على ما أردتما، واستعينا بمشورة المشيخة؛ فهي أنفى للخلاف، وأنا أسير إلى الباب، فأضبطه بنفسي؛ وأنفذا أمركما إلى بما شئتما.) وخرج عنهما؛ فضبط باب القصر، وتقدم في إحضار أصحاب الهاشمية مثل زياد بن أفلح مولي الحكم، وقاسم بن محمد، ومحمد بن أبي عامر، وهشام بن محمد بن عثمان، وأشباههم؛ واستدعى بني برزال، إذ كانوا بطانته من سائر الجند. واستحضر سائر قواد الأجناد الأحرار؛ فاجتمع له من هذه الطوائف ما شد ركنه وقوى أيده؛ فنعى لهم الخليفة، وعرفهم مذهب الصقالبة في نكث بيعة هشام؛ وأقبل بثبت أصحابه، وقال لهم: (إن جبسنا الدولة على هشام، أمنا على أنفسنا، وصارت الدنيا في أيدينا؛ وإن انتقلت إلى المغيرة قبل أن يبلغه موت أخيه، فتمكنه الحيلة. فعمل