ثم اتصلت علة الخليفة الحكم من الفالج، وجعفر يدير سلطانه. ووقع إرجاف بموت الحكم؛ فأشار محمد بن أبي عامر على جعفر بن عثمان باستركاب ولي العهد هشام في ذلك اليوم في الجيش، إرهابا لأهل الخلاف؛ ففعل وركب في الناس ركبته المشهورة، ومحمد بن أبي عامر بين يديه، قد كساه الخزَّ، ونقله إلى أكابر أهل الخدمة. وأمر ولي العهد هشام في ذلك اليوم وهو العاشر لصفر من سنة ٦٦ بإسقاط ضريبة الزيتون المأخوذة في الزيت بقرطبة، وكانت إلى الناس مستكرهة؛ فسروا بذلك أعظم سرور، ونشب شأنها إلى محمد بن أبي عامر، وأنه أشار بذلك؛ فأحبوه لذلك. ولم تزل الهمة تحذوه، والجد بحظيه، والقضاء بساعده، والسياسة الحسنة لا تفارقه، حتى قام بتدبير الخلافة، وأقعد من كان له فيها إنافة، وساس الأمور أحسن سياسة، وداس الخطوب بأخشن دياسة، واستشعر اليمن كل فريق. وأسقط جعفرا المصحفي، وعمل فيه ما أراده.
فأول غزوة فصمها من عرى المملكة عزوة الصقالبة الخدم بالقصر موضع الخلافة؛ وكانوا أبهى حلل المملكة، وأخص عددها؛ عنى الخلفاء يجمعهم والاستكثار منهم؛ وكانوا خاصة الناصر والحكم بعده، حتى لقد ظهرت منهم في زمن الحكم أمور قبيحة أغضى عنها مع إيثاره العدل واطرح الجور بالجملة. وكان يقول:(هم أمناؤنا وثقاتنا على الحرم؛ فينبغي للرعية أن تلين لهم، وترفق في معاملتهم؛ فتسلم من معرتهم، إذ ليس يمكننا في كل وقت الإنكار عليهم.) ولما مات الحكم، كان الصقالبة أكثر جمعا وأحد شوكة، يظنون أن لا غالب لهم وأن الملك بأيديهم. وكانوا نيفا على الألف محبوب؛ فحسبك بما يتبعهم؛ وكان رأسهم فائق المعروف بالنظامي، صاحب البرد والطراز؛ ويليه صاحبه جوذر صاحب الصاغة والبيازرة؛ وإليهما كان أمر الغلمان الفحول بخارج القصر. وكان قد جرى بين فائق وجوذر مع الحاجب جعفر المصحفي إثر موت الحكم