في المحلة، وانتهبها بالجملة. وحمل الأمير المنذر على جمل إلى قرطبة؛ فدفن مع أجداده هنالك، وصار عند الناس أهون مفقود وأيسر هالك، إذ كان قد اضطرهم في ذلك المقام، وندبهم إلى الثبات هنالك والمقام.
وفي هذه السنة، كان القحط الشديد بالأندلس؛ فاستسقى الناس. فنزل ثلج كثير في أول يوم من ينير، ولم ينزل غيث. ثم استسقوا مرارا؛ فلم يمطروا؛ فخامر الناس القنط. فلما دخل من فبرير بعض أيام، سقى الناس، وارتفع الناس؛ فاستبشروا بفضل الله، وأعلنوا بشكره. فقال العكي في ذلك، يمدح الأمير المنذر (كامل) :
نَزَلَ الحَيَا المُحيي وطابَتْ أنفُسُ ... إذ كان سُوء الظَّنِّ فيها يَهجِسُ
أحْيَى الإلهُ عِبَادَهُ من بَعْدِ ما ... كانت من القنطِ النفوسُ تُوسَوِسُ
مُتلافياً فيه بعائدِ رَحمةٍ ... لَولا عَوَائدُها طَوَتنَا الأبْؤُسُ
مَلِك الملوك تقدَّسَت أسماؤهُ ال ... حُسنى وعَزَّ جَلالَه المُتَقَدِّسُ
خُذْها أمِين الله وابن أمِينِهِ ... من شاكِرٍ في الشُّكرِ لَيْسَ يُدَلِسُ
وفي سنة ٢٧٥، توفي الأمير المنذر - رحمه الله! - وقد ذكر موته على حصن بربشتر محاصرا للخبيث ابن حفصون. وكانت وفاته منتصف شهر صفر من السنة المذكورة، وهو ابن ست وأربعون سنة. وملك سنتين إلا أياما.