وفيها، قدم أبو يعقوب إسحاق بن سليمان الإسرائيلي المتطبب على زيادة الله من المشرق مع أبي الحسن بن حارث فوصل إليه وهو بالاربس. قال إسحاق:(فدخلت على زيادة الله ساعة وصولي، ورأيت مجلسه قليل الوقار، كثير اللهو. فابتدأني بالكلام ابن حبيش المعروف باليوناني، فقال لي: (تقول أن الملوحة تحلو؟) فقلت له: (نعم) قال (وتقول أن الحلاوة تحلو؟) قلت له: (نعم) فقال لي: (فلحلاوة هي الملوحة والملوحة هي الحلاوة!) فقلت له: (أن الحلاوة تحلو بلطافة وملائمة، والملوحة تحلو بعنف وقوة) فتمادى على المكابرة في ذلك، حتى قلت له (تقول أنك حي والكلب حي؟) قال (نعم) قلت له (فأنت الكلب والكلب أنت) فضحك زيادة الله ضحكا شديدا قال: (فعلمت أن رغبتك في الهزل أكثر من رغبتك في الجد) .
وفي هذه السنة تغلب أبو عبد الله الداعي على مدينة بالرمة وعلى مدينة طبنة، ودخلهما بالأمان في أخر ذي الحجة وبها أبو المقارع حسن بن أحمد والى زيادة الله وعامله عليهما مع صاحبيه المذكورين قبل هذا. وكان بهما جباة على ضروب المغارم، فأتوه بما في أيديهم من الجباية، فقال لأحدهم (من أين جمعتم هذا المال؟) فقالوا له (من العشر) فقال عبد الله: (إنما العشر حبوب وهذا عين) ثم قال لقوم من ثقاة طبنة: (أذهبوا بهذا المال فليرد على كل رجل ما أخذ منه، وأعلموا الناس أنهم إمناء على ما يخرج الله لمن أرضهم، وسنة العشور معروفة في أخذه وتفرقته وعلى ما ينصه كتاب الله عز وجل) ثم قال لأخر (من أين هذا المال الذي بين يدك؟) قال: (جبيته من اليهود والنصارى جزية عن حول مضى لهم.) فقال (وكيف أخذته عينا، وإنما كان يأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الملأ ثمانية وأربعين درهما، ومن المتوسط أربعة وعشرين درهما ومن الفقير أثنى عشر درهما!) فقال له: (أخذت العين عن الدراهم بالصرف الذي كان يأخذه عمر) فقال أبو عبد الله: (هذا مال طيب) ثم أمر أحد الدعاة بأن