فانكفأ بهم في البحر. وولي أبو سعيد الضيف على جزيرة صقلية سال بن أبي راشد، وأبقى معه جماعة من كتامة وانصرف إلى القيروان.
وفي هذه السنة فتحت مدينة برقة على يد أبي مدين الموجه إليهم بعد أن أفنت الحرب أكثر ألها مدت ثمانية عشر شهرا، وحوصروا فيها، وأحرق قوم منهم بالنار، واستصفى أبو مدين أموالهم، وبعث جماعة منهم إلى عبيد الله، فأمر بقتلهم. وفيها، مات محمد بن اسود بن شعيب القاضي الصديني. وفيها مات ميمون بن عمر الفقيه، ومحمد بن أحمد الصدفي الزاهد. وفيها خرج مصالة ابن حبوس من تبهرت لمحاربة سعيد بن صالح بن سعيد بن إدريس، صاحب نكور، فدارت بينهم حروب كثرة.
وفي سنة ٣٠٥ أفتتح مصالة بن حبوس، قائد عبيد الله الشيعي مدينة نكور، وقتل بها سعيد بن صالح رئيسها، وذلك يوم الخميس لثلاث خلون من محرم. وانتهب مصالح مدينة نكور وسبى النساء والذرية، ثم أنصرف إلى تبهرت، وكتب بالفتح إلى عبيد الله وبعث إليه سعيد بن صالح ورؤوس أصحابه، فطوفت بالقيروان. ثم أن بين صالح خرجوا فارين بأنفسهم إلى الأندلس معتصمين بما تناهى إليهم من فضل أمير المؤمنين الناصر وحن مذهبه في كل نازع إليه ومعتصم به، فنزلوا مرسى مالقة، وعهد بإنزالهم والتوسع عليهم، وبعث إليهم بضروب الكسوة وكل ما احتاجوا إليه من المرافق وخيروا في القدوم إلى قرار السلطان أو المقام في ذلك المكان، فاختاروا المقام على بره وحبائه. وكان مصالة قد أستخلف على نكور رجلا يقال له ذلول، وانصرف إلى تبهرت، فافترق عن ذلول من كان معه وبقي في فل من المشارفة. فقصده صالح بن سعيد بن صالح من مرسى مالقة، فقتله، وقتل أصحابه ولزم نكور، وهادي أمير المؤمنين بالخيل والجمال.