وركب من نجا من ذرية سعيد البحر إلى مقالة، فاستقروا بها لقربها من بلدهم ورجائهم العودة إليه. وبقى مصالبة في نكور نحو ستة أشهر، ثم استخلف عليها ذلول. فكان من أمره ما تقدم ذكره. وذلك أنه لما افترق عن ذلول أصحابه سمع بذلك بنو سعيد بمقالة، فعبروا البحر في مراكب مختلفة، في ليلة واحدة، واتفقوا على أن من وصل غليها قبل فالولاية له، ثقة منهم برعيتهم. وكانوا إدريس والمعتصم وصالح بني سعيد. فوصل صالح من ليلته، فتسامع البربر بقدومه، فتسارعوا إليه، وعقدوا له الأمرة، ولقبوه باليتيم، وزحفوا إلى ذلول وأصحابه فقتلوهم أجمعين. وكتب صالح بالفتح والنصر إلى أمير المؤمنين الناصر فأمر بإمداد صالح بالأخبية والآلات والأسلحة والبنود والطبول،، فتوطد الملك بالمغرب لصالح بن سعيد، وبقي أخوته في البحر شهرا يترددون فيه إلى أن وصلوا بعد ذلك إلى نكور. وهي في وقتنا هذا مدينة المزمة أو قريبا منها، وفي هذه السنة تم شأن القاسمية بالقيروان، وانتقل إليها التجار وأهل الصناعات، وذلك في شهر ربيع الأول. وفيها مات أبو جعفر أحمد بن محمد القرشي المعروف بالمغرباني، وكان من أهل الزهد والعبادة، وله سمات كثيرة من سحنون وغيره. وفيها مات القاضي بقفصه، وهو مالك بن عيسى بن نصير، وكانت له رحلتان في طلب بالحديث، أقام فيهما عشرين سنة، وكان به بصيرا، وفي علمه نافذا. وفيها مات بمدينة رقادة من قريش أفريقية أبو الفضل محمد بن عبد السلام بن عبد السلام، من ولد عبد الملك بن مروان، وكان قد تولى جباية طرابلس وتونس لينج مع القوم ويبقى معهم، فتوصل بذلك إلى أخذ نعمته،