محته عن الإسكندرية إلى الفيوم ونزل بالأشمونين في رجب. وألقى الأطعمة في الأنادر لم تخزن، فانتهبها العساكر. وغلت الأسعار بمصر وبالعسكر، ووقع الوباء في الناس وجلا كثيرا منهم. وكانت مصر في ذلك الحين خالية من الجند، فاجتمعوا وتشاوروا في أمرهم، فردوه إلى محمد بن على المادراني وأخيه أبي زنبور، فكتبا إلى أبو القاسم سرا يعرفنه بغيبة الجند وضعف البلد وأظهرا له المسارعة إلى طاعته، وسألاه الاستثناء عليهم لما يتوقعون من العوام، وكان مذهبهما أن يكتف عنهم حتى تأتيهم الرجال من بغداد. وكتب المارداني إلى المقتدر بنزول العساكر عليهم. وفي هذه السنة أقبل ثمل الفتى بالمراكب الشامية، مغيثا لأهل الإسكندرية. فألفى الشيعة بها أسطولا لمحاربة ثمل حتى تغلب على الأسطول بمن فيه، وذلك يوم الأحد لاثنتي عشر ليلة بقيت من شوال، وأسر جملة من رجال كتامة ثم نهض ثمل بالأسرى إلى الفسطاط، فطوفهم على الجمال مشهرين، وفيهم جماعة من رجال الشيعي المشهورين بالبأس.
وفيها مات القاضي محمد بن محفوظ القمودي بإفريقيا، وكان ضعيف الرأي جائر الحكم وولى القضاء بالقيروان إسحاق بن أبي المنهال. وفيها هبت بالقيروان رياح مظلمة صفراء دامت أياما وسدت الأفق حتى كان الرجال لا يرى جليسه، وأتبعها الوباء الذي تقدم ذكره. وفيها مات أحمد بن علي بن دودان الفقيه وكانت له رحلة سمع فيها من يونس والمزني. ومات محمد بن أحمد بن يحيى بن مهران الفقيه من رجال محمد بن سحنون. ومات أبو سليمان داود بن مسرور الغساني وكان متزهدا فاضلا ومات محمد بن عبد الله ابن القاضي أحمد بن محرز. ومات بمدينة تونس من قريش محمد بن أحمد بن عبد الله بن سعيد بن خالد بن عبيد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان وكان يلقب بالبعرة وكان طرأ على إبراهيم بن أحمد من المدينة، ودخل الأندلس مرتين.
وفي هذه السنة قتل بالقيروان عروس المؤذن بمسجد أبو عياش