ومن يوسف بن يحيى المغامي وكان عالما بالمناظرة مليئا بالشاهد، صحيح المذهب، سليم القلب. قال محمد بن حار: حضرته يوما، وعنده جماعة من المحاظرين في المسألة، حنى دخل عليه محمد بن عبد الله بن مسرة القلاطبي في حين توجهه إلى الحج فسلم، وجلس جانبا وهو يجيل بصره في وجوه المتكلمين. قال: فلم أشك أنه من أهل العلم، ولم أكن عرفته باسمه. فلما أظهر الشيخ أحمد بن نصر القيام، قال له:(يا شاب جلست منذ يوم. فهل من حاجة تذكرها؟) فجاوبه محمد بن مسرة بكلام حسن بليغ وقال له: (أتيتك مقتبسا من نورك، ومستمدا من علمك) وجاوبه أحمد بن نصر أيضا بجواب حسن. ثم قام وقمنا بأثره. وفيها، مات محمد بن محمد بن خالد القيسي المعروف بالطرزي، وكان ولي المظالم بالقيروان، ولما أراد إبراهيم بن أحمد توليته المظالم، اعتذر إليه بأن فيه حياء ولين جانب وقلة فقه، فقال له إبراهيم:(أما الحياء واللين، فإذا أمرت ونهيت زالا عنك. وأما قلة الفقه فشاور الفقهاء في أحكامكم) وولاه فلم يكن بالقيروان حاكم أشد صرامة منه.
وفي سنة ٣١٨ خرج حميد بن يصل من المهدية إلى تبهرت بغير أذن عبيد الله، وبنى قلعة هنالك، ورد حماد بن هاشم إلى بلده، وصاهره وأصلح بينه وبين سيار بن عبد الوهاب. فكتب عبيد الله إلى يصل بن حبوس أن يوجه حميد إلى المهدية، ولا يؤخره ساعة. فرجع حميد إليها، ولم يلق من عبد الله سوءاً. وفيها، نزلت الأمطار بالقيروان وصلحت الأحوال، ورخصت الأسعار بعد ضيق شديد كان فيه الناس، وغلاء، ووباء. وفيها مات بالمهدية هشام بن الربيع التميمي وكان من أهل الخير والفضل وناله من عبيد الله الشيعي عقاب، وضربه بسبب ابن القديم. وأوصى ألا يدفن في المهدية فسيق إلى القيروان ودفن بها.