وفي سنة ٣٧٧ وصل المنصور أبو الفتح صاحب أفريقية إلى المنصورية، فنزل في قصره الذي بني له وأتى معه عبد الله الكاتب وجميع عساكره ووجوه بني عمه ورجاله. وفي هذه السنة، كان مقتل عبد الله الكاتب وأبنه يوسف وذلك أن عبد الله بن محمد الكاتب بلغ مع المنصور بن أبي الفتوح ما لم يبلغه أحد من قرابته وأهل بيته ودولته، وانحصرت أموره كلها كانت تخت قبضته فجمع الأموال ورتب الأحوال والأعمال وأعطى السياسة والرياسة حقها فحسنه كبراء أهل الدولة والتقى عنه حسن ابن خالته إلى المنصور أمورا من القدح في دولته وأنه كان السبب في خروج الداعي الثائر أبي الفهم بكتامة وأنه كان يصغر خبره حتى تفاقم أمره وغير ذلك من الأسباب المهلكات. وكان عبد الله الكاتب لثقته بنفسه لا يداري أحد من أولاده زيري ولا أكابر الدولة. فلما أحسوا من المنصور بعض التغير عليه أكثروا من (اعتزل عن عمل أفريقية وأقتصر عن الكتابة وكل من تولى متصرف بين يدك وتحت أمرك!) فكان جوابه أن قال (القتلة ولا العزلة) فلما كان يوم الأحد لإحدى ليلة خلت من رجب غدا إلى ديوان كان قد بناه فجلس فيه لانتظار ركوب المنصور وبيده جزء من القران يقرأ فيه حتى قيل له (قد ركب) فأطلقه وركب فرسه برسم لقائه، وهو يقول (طويل) .
ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض ... على الماء خانته فروج الأصابع
فلما وصل إليه المنصور، نزل عبد الله إليه سلم عليه ثم وقف، فدار بينهما كلام كثير لم يقف أحد على صحته، ثم طعنه المنصور برمحه، فجعل أكماله على وجهه وقال: على ملة الله وملة رسوله! لم يسمع له غير ذلك. وضربه عبد الله أخو المنصور برمح بين كتفيه فسقط إلى الأرض ميتا. ثم أوتي بابنه يوسف، فرضبه المنصور وماكسن بين زيري، فسقط ميتا. وكان عبد الله لما تنكر له المنصور لا يزال يتمثل بهذا البيت (طويل)