وفي يوم السبت بموافقة عيد الأضحى رحلت العساكر من المحمدية بعد أن أضرموا النار في الأبنية والبيوت والزروب، وتقدموا أمام البيود والطبول. فأشرف حماد على العساكر، وهي تمر كالسيل بين يدي التابوت، فقال لأخيه وخاصته: مثل هؤلاء يخدم الملوك! وصلت أنا إلى أفريقية في ثلاثين ألف فارس، ما منهم إلا من أحسنت إليه، وأنعمت عليه. فعدت إلى القلعة وما بقي معي منهم إلا أقل من ستمائة، وأنا بين أظهرهم أرجى! وهذا ميت أطاعه هؤلاء كما كان حيا! وكان وصول العساكر إلى المهدية لثمان بقين من ذي الحجة، وبرزت العساكر على باب المهدية. وركب المعز، فوقف ونزل الناس إليه فوجاً فوجا حتى كمل سلامهم.
وفي سنة ٤٠٧، رحل المعز بن باديس من المهدية فكان دخوله المنصورية يوم الجمعة للنصف من محرم فدخل أجمل دخول، وبين يديه البنود والطبول. واحتل بقصره أفضل حلول، وقد سر به الخاص والعام.
وكان بمدينة القيروان قوم بحومة تعرف بدرب المعلى، يتسترون بمذهب الشيعة، من شرار الأمة، فانصرف العامة إليهم من نورهم، فقتلوا منهم خلقا رجالا ونساء، وانبسطت أيدي العامة على الشيعة، ونهبت دورهم وأموالهم وتفاقم الأمر، وانتهى إلى البلدان، فقتل منهم خلق كثير. وقتل من لم يعرف مذهبه بالشهية لهم. ولجأ من بقى بالمهدية منه إلى المسجد الجامع، فقتلوا به عن آخرهم رجالا ونساء. واجتمعت العامة على أبي البهار بن خلوف لشدته عليهم وقهره لسفهائهم، فلجأ إلى المنصورية، فانتهبوا داره. وبلغ ذلك عساكر ابن أخيه، فركب لينصر عمه أبا البهار، فقتلته العامة ومثلوا به، وقتلوا كل من كان معه، وزحفوا إلى المنصورية فهدموها. واجتمع بدار محمد بن عبد الرحمن نحو ألف وخمسمائة رجل من الشيعة، فإذا خرج أحد منهم لشراء قوته قتل حتى قتل أكثرهم. ثم أخرجوا إلى قصر السلطان بعيالهم وأطفالهم. فسر المسلمون بما رأوه فيهم، وذلك لما ظهرت الكتب التي وجدت في ديار المسالمة، كان