مدينة قابس. وكانت الرفقة خارجة من القيروان إلى مصر، فأمر أن ينتظرها بمدينة قابس إلى أن يصحبها. وكوتب عامل قابس بأن لا يترك من يدخل إليه ولا من سلم عليه ولا يخرج من موضع نزوله إلا في يوم سفره، فيخرج وهو غير آمن على نفسيه، ثم قتل في طريقه ذلك، وكان رجلا عظيما يعظ الناس، فيجمعون إليه، ويسمعون كلامه، وكان له لسان وحدة فحذره المعز واجتمع عليه بعض فقراء القيروان واستشيعوا ألفاظا ذكرها، فرفعوا رقاعهم إلى المعز بذلك، فكان سبب نفيه وحتفه. وكان أبوه يعض بجامع مصر في ذلك الوقت، إلى نعى له ابنه هذا، فحج في تلك السنة، فقيل أنه كان يطوف بالكعبة ويصيح ويقول:(يا رب! العز عليك به! يا رب عليك بابن باديس!) فكانت الهزيمة على المعز في اليوم الثاني من دعائه، وكان ذلك سبب لخراب ملكه ودمار القيروان حضرته. فلم يشك أحد في إجابة دعوته.
وفي سنة ٤٤٣، كان لباس السواد بالقيروان، والدعاء لبني العباس. قال ابن شرف: وفي جمادى الثانية، أمر المعز بن باديس بإحضار جماعة من الصباغين، وأخرج لهم ثيابا بيضاء من فندق الكتان، وأمرهم أن يصبغوها سودا، فصبغوها بأحلك السواد، وجمع الخياطين، فقطعوها أثوابا، ثم جمع الفقهاء والقضاة إلى قصره، وخطيب القيروان وجميع المؤذنين، وكساهم ذلك السواد ونزلوا بأجمعهم. وركب السلطان بعدهم حتى وصل إلى جامع القيروان، ثم صعد الخطيب المنبر وخطب خطبة أتى فيها على جميع الأمر بأجزل لفظ وأحسن معنى، ثم دعا لأبي جعفر عبد الله القائم بأمر الله العباسي، ودعا للسلطان المعز بن باديس ولولده أبا الطاهر تميم ولي عهده من بعده، ثم أخزى بني عبيد الشيعة ولعنهم.