للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلماء الخاشعين لله، فلنا وصلا إليه وجداه على سرير ملكه جالسا، وعن يمينه أبو عبد اله الشيعي الذي ولاه الملك وسلم له فيه، وعن يساره أبو العباس أخوه، فقال لهما أبو عبد الله وأخزه: أشهد أن هذا رسول اله! فقالا جميعا بلفظ واحد: (والله الذي لا إله إلا هو لو جاءنا هذا والشمس على يمينه والقمر على يساتره، وينطقان فيقولان إنه رسول الله، ما قلنا أنه هو) . فأمر عبيد الله - لعنه الله - عند ذلك بذبحهما وربطهما في أذناب الخيل، وأن يشق بهما سماط القيروان ففعل ذلك بهما - رحمة الله عليهما - وقال أبو عبد الله الشيعي يوما لأبي عثمان سعيد بن الحداد العالم: (القرآن يخبر أن محمدا ليس بخاتم النبيين في قوله: (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) فخاتم النبيين غير رسول الله. فقال أبو عثمان: (هذه الواو ليست من واوات الابتداء وإنما هي من واوات العطف مثل قوله تعالى: " هو الأول والآخر والظاهر والباطن " وقال له مرة أخرى: (أن الله أخبر أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يرتدون لقوله: " أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " فقال أبو عثمان: (هذا إنما على الاستفهام، كقوله سبحانه: " أفإن مت فهم الخالدون "!) ولما تمكن عبيد الله الشيعي من الملك، قتل أبا عبد الله الداعي وأخاه وانتقم الله منهما على يدى من سعيا له وقتلا الخلق بسببه، حتى أخرجاه من حبس سلجماسة، وسلما له في الملك، ولم يقيما معه إلا سنة أو نحوها، ثم سلطه الله على كبار كتامة الذين سعوا في إقامة ملكه، فقتل جميعهم، ثم تمادت دولة أبنائه نحو ثلاثمائة سنة، ملكوا من مضيق سبتة إلى مكة - شرفها الله - لأن عماله كانوا يصلون إلى مضيق سبتة فيعاينوها، ومن هناك يرجعون. وهذا دليل على أن هوان الدنيا على الله وصغر قدرها عنده إذ

<<  <  ج: ص:  >  >>