قتل من صنهاجة في هذه الوقعة: فكانوا ثلاثة آلاف وثلاثمائة. ثم أقبلت العرب حتى نزلت على القيروان، ووقعت الحرب هنالك، فقتل بين رقادة والمنصورية خلق كثير.
وفي سنة ٤٤٤، ذهب المعز بن باديس إلى رفع الحرب بينه وبين العرب، وأباح لهم دخول القيروان لما يحتاجون إليه من بيع وشراء. وبقى هو مستوطنا المنصورية من بقي من عسكره. فلما دخلوها، استطالت العامة عليهم، وأوسعتهم إهانة وشتما، فقتل العرب منهم خلقا كثيرا. وكان عدد العرب الواصلين من المشرق سبعة آلاف فارسا وخمسمائة. وقدر المعز أن العرب عائدون من حيث أتوا فخرج له الأمر بخلاف ظنه.
وفي هذه السنة، بنى المعز سور القيروان، وسور زويلة، وجعل السور مما يلي صبره كالفيل: حائطان متصلان إلى صبره، وبينهما نحو نصف ميل.
وأما القيروان، فهي في بسيط من الأرض، ممدودة في الجوف منها نحو تونس، وفي الشرق نحو سوسة والمهدية وفي القبلة نحو سفاقس، ويقرب منها البحر الشرقي: فبينها وبين البحر مسيرة يوم، وسائر جوانبها أرض طيبة. ولا سبيل الموارد أن تدخل القيروان إلا بعد جوازه على صبرة. وأما صبرة فبناها إسماعيل بن أبي القاسم بن عبيد الله الشيعي المتلقب بالمنصور وسماها المنصورية واستوطنها سنة ٣٣٧ ثم كانت منزل الولاة بالقيروان إلى حين خرابها.
وفي سنة ٤٤٥، ولى المعز بن باديس ابنه تميم مدينة المهدية. وفيها، نافق على المعز بن باديس أهل سوسة. وهي مدينة منيعة حاصرها أبو يزيد شهورا ثم انهزم عنها وكان عليها في ثمانين ألفا. وفي ذلك يقول سهل ابن إبراهيم كامل:
إن الخوارج صدها عن سوسة ... أبدا طعان السمر والإقدام
وفي سنة ٤٤٦ حاصرت العرب مدينة القيروان وضيقة عليها تضيقا