للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأول ما افتتح به شأنه، وثبت به ما زعم سلطانه قتل الرافضة ومراسلة أمير المؤمنين العباسي يومئذ ببغداد، فكتب إليه بعهده وجاءته الخلعة واللقب من عنده رأيا اغتر ببادئه، وذهل عن عواقبه وبواديه. واتصل ذلك بالعبيدي بمصر، وأمره يومئذ يدور على الجرجرائي، فاسطنعها عليه، وفوق سهام مكروهه إليه. وكان بطون من عامر بن صعصعة: زغبة، وعدي، والأثبج ورياح وغيرهم، تنزل الصعيد لا يسمح بالرحيل ولا بإيجازه النيل، فأجازهم الجرجرائي، وأذن لهن في المعز أمينة طالما تخلت إليهم أطماعهم وعكفت عليها أبصارهم، فغشاه منها سير العرم، ورماه بذلول ابنة الرقم فشغل المعز بعضهم أولا بخدمته، وحملهم أعباء نعمتهم، وهم في خلال ذلك يتمرسون بجهاته وبون إلى حماته، ويطلعون على عوراته، حتى بان لهم شأنه، وهان عليه سلطانه، فجاهروه بالعداوة حتى جرت بينهم تلك الحروب، التي تقدم ذكرها مختصرا فأورثته البوار، وضربت عليه الحصار.

وفي أثناء ذلك، أعطاهم الدنيا، وناشدهم التقية، واشترط المهدية، وزف إلى أحد زعمائهم من بناتهم، فأصبحوا له أصهارا، وقاموا دونه أنصارا. فما استحكم باسمه، وأهمته بنفسه، واستجاش من قبله، وأحتمل أهله وثقله وخلا الملك لمن حماه وحمله، وجاء أصهاره يمنعونه ممن عسى أن يكيده، حتى بلغ المهدية، فأقام بها أسقط من الشمس بالميزان، وأهون من الفقير القيان، ولم يكن أحد في زمانه أشد بأسا في الملاحم، ولا أطول يدا بالمكارم ولا أعني بالسان العرب ولا أحنى على أخل الأدب ومن مشهور كرمه أنه أعطى المنتصر بن خزرون في دفعة مائة ألف دينار إلي ما وصله من مركب أثيل، وزي حفيل وكان متوقد الذهن حاضر الخاطر حاذقا بطرائف الألحان عالما بالمنثور والمنظوم من الكلام. ومدح كثير من الشعراء، فأجزل لهم العطاء: منهم على بن يوسف التونسي، ويعلا ابن إبراهيم الأركشي، وأبو علي بن رشيق، والقرشي وابن شرف، وغيرهم يطول

<<  <  ج: ص:  >  >>