السلام! - منها عصا آدم، والتابوت الذي فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون، وعصا موسى ونعلاه، ومائدة سليمان، وهي من ذهب، قد كلل أعلاها وأسفلها بالدر والياقوت. فحمل جميع ذلك إلى رومة. فلما مرّ ملك الروم بمصر، رغب إليه أهلها أن يجعلها عندهم يتبركون بها، وقالوا له:(رومة تبعد عنا!) وكانوا قد أمدوه، وقاتلوا معه بني إسرائيل؛ فطلبوا منه شيئاً من تلك المكارم؛ فدفع لهم المائدة؛ فحملتها الأساقفة إلى الإسكندرية. فلما غزا عمرو بن العاصي بمصر، هربوا بها إلى مدينة إطرابلس. فلما نزل عمرو بن العاصي برقة، هربوا بها إلى مدينة قرطاجنة. فلما دخل المسلمون طنجة، هربوا بها إلى مدينة طليطلة، ولم يكن لهم أمتع منها؛ ولا وجدوا حيث يهربون بها بعدها.
قال أبو شبة الصدفي: لقد نظرت إلى رجلين يحملان طنفسة منسوجة بالذهب والفضة واللؤلؤ؛ فلما ثقلت عليهما، أنزلاها؛ ثم حملا عليها الفأس؛ فقطعاها بنصفين؛ فأخذا نصفا، وتركا نصفا. فلقد رأيت الناس يمرون على نصفها؛ فلا يلتفتون إليه اشتغالا بما في أيديهم مما هو أرفع منها.
وحدّث عبد الحميد عن أبيه، قال: قدمت الأندلس امرأة عطارة؛ فخرجت منها خمسمائة رأس من السبي؛ فأما ما خرجت به من الذهب والفضة والجوهر والآنية، فذلك ما لا يحاط بعلمه. قال: وقدم علينا شيخ من المدينة، جيد التجربة واللسان؛ فجعل يحدثنا عن الأندلس؛ فقلت له:(كيف علمت هذا؟) قال: (لأني، والله! كنت ممن اشترى بها بحبات فلفل أقل من القبضة ما يساوي عددا) .
وأقام موسى بالأندلس سنتين وشهرا؛ ثم رجع إلى إفريقية، وتحته بغل أشهب يسمى الكوكب. ولما انصرف عن قرطبة متوجها نحو إفريقية، حول وجهه إلى قرطبة؛ فقال:(واها لك! يا قرطبة! ما أطيب تربتك، وأشرف بقعتك، وأعجب أمرك! ولعنك الله بعد الثلاثمائة سنة!) ثم مضى حتى وصل الخضراء، وأمر بالعجل؛ فحملت الذهب والفضة والجوهر والمتاع وأصناف متاع