واختلف في أمر يؤسف الفهري؛ فقال بعضهم إنه لم ينكث بغيا، وإنما خوفا؛ فخرج هاربا؛ فأخرج الأمير الخيل في طلبه؛ فأدركته بفحص البلوط؛ ثم أفلت؛ وحشد ولده البربر بالشرق كله، وأقبل في جمع عظيم يريد قرطبة؛ فخرج إليه الأمير؛ فالتقوا بمخاضة الفتح؛ فكان القتال بينهم حتى كاد الأمير عبد الرحمن أن ينهزم؛ وقيل إنه أنهزم نحو الميل؛ فثبت ابنه سليمان في آخر الناس؛ ثم تراجع الأمير حتى انهزم يوسف، ومضى في طلبه إلى قلعة رباح.
وقال بعضهم: إن يوسف، لما هرب إلى طليطلة، قبض الأمير عبد الرحمن على أبي الأسود ابنه؛ فسجنه. وقام على يوسف موال له؛ فقتلوه، وأتوا به إلى الأمير عبد الرحمن؛ فقال لهم:(عرفتم من هو؟) قالوا: (نعم! هو يوسف الفهري!) قال: (أنتم لم تحفظوا مولاكم؛ فكيف تحفظونني وتنتظمون في طاعتي؟) فأمر بصرب أعناقهم؛ وأمر بأبي الأسود إلى السجن؛ وكان السجن يومئذ يخرج الناس منه إلى النهر لما يكون من الحاجة مع الموكلين بهم؛ فادعى ولد الفهري العمى، وفشا له ذلك؛ فكان يقول:(من يقود الأعمى؟ يرحمه الله!) وكان يختلف إليه مولى اسمه مفرج يقضي حوائجه ويلقاه على النهر تحت القنطرة. فلما اطمئن إليه، ولم يستنكر خروجه، وشاع عليه العمى، قال لمفرج مولاه:(ابتع لي فرسا أنج عليه!) ففعل وأعده له؛ فهرب عليه، ولحق بطليطلة. فغزاه الأمير عبد الرحمن ولقيه مرارا، فكان آخر هزيمته إياه بقسطلونه؛ ومضى إلى ركانة، ولم يزل بها حتى مات. فقام القاسم بن يوسف، أخو أبي الأسود؛ فأعقب على زوجته، وتولى ما كان أبو الأسود يتولاه؛ فخرج إليه الأمير؛ فأجابه على أن يرد إليه أمواله، ويستوثق منه بالعهود؛ ففعل الأمير ذلك، وانصرف معه إلى قرطبة.
وثار على الأمير عبد الرحمن عبد الغافر اليماني بإشبيلية، وتغلب على ما جاور قرطبة؛ فخرج إليه الأمير؛ فخالفه عبد الغافر ونهض يريد قرطبة، رجاء أن يجدها خالية، والإمام عبد الرحمن في الثغر يسدُّ خلله، ويحسم علله؛ فقدم