للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد انقطاعه، بحسن تدبيره، وشدة سكيمته. إنّ معاوية نهض بمركب حمله عليه عمر وعثمان، وذللا له صعبه؛ وعبد الملك ببيعه أبرم عقدها؛ وأمير المؤمنين يطلب عنزته، واجتماع شيعته. وعبد الرحمن منفرد بنفسه، مؤيد برأيه، مستصحب لعزمه، وطد الخلافة بالأندلس، وافتتح الثغور، وقتل المارقين، وأذل الجبابرة الثائرين!) فقال الجميع: (صدقت، والله، يا أمير المؤمنين!) وكان الإمام عبد الرحمن من أهل العلم، وعلى سيرة جميلة من العدل. ومن قوله رحمه الله!) يتذكر وكنه (خفيف) :

أيُّها الراكبُ المُيَمّمِ أَرْضِي ... اقْرأ بَعْضَ السلامِ عَنّي لبَعْضِي

إنّ جِسْمِي كَمَا تَرَاهُ بأرْضِ ... وَفُؤادِي ومَالِكيِهِ بأرْضِ

قُدْرَ البَيْنُ بَيْنَنَا فافْتَرَقْنا ... وطَوَى البَيْنُ عن جُفوني غَمْضِ

قدْ قَضَى اللهُ بالبِعادِ عَلَينا ... فَعَسَى باقْتِرابِنا يَوْفَ يَقْضِي

وله من الشعر كثير مشهور. وذكر الرازي أن الإمام عبد الرحمن، أول نزوله بمنية الرصافة واتخاذه لها، نظر فيها إلى نخلة؛ فهاجت شجنه، وتذكر وطنه؛ فقال على البديهة (طويل) :

تَبَدَّت لَنَا وَسْطَ الرُّصافَةِ نَخْلةٌ ... تَنَاءت بأرضِ الغَرْبِ عن بَلَدِ النَّخْل

فقُلتُ شَيِهي في التَغَرُّبِ والنَّوَى ... وطُولِ التَّنَاءي عن بُنّيَّ وعن أهلي

نشَأتِ بأرضٍ أنتِ فيها غَريَبةٌ ... فمِثْلُكِ في الإقصاء والمُنتاي مثلي

سَقَاكِ غَوَادِي المُزْنِ مِن صوبها الذي ... يسحُّ ويستمرِي السِماكين بالوّبْلِ

وكان - رحمه الله! - قد عقد العهد لابنيه هشام وسليمان. فولى بعده هشام، على ما أذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>