أهل ولا ولد. وأخذ منهم ثلاثمائة رجل؛ فصلبوا على الوادي، صفا واحدا من المرج إلى المصارة.
وكان الحكم قد عزم على تتبعهم بالأندلس، وقتلهم حيث وجدوا؛ فكسر عليه بعض أصحابه، وذكره صنع الله له فيهم؛ فارعوى وكف. فخرجوا أفواجا بأهاليهم وأولادهم. ولم يعرض لأحد منهم في شئ من بلاد الأندلس، وهي طاعته وملكه، ولا نالهم ضر بعد وقت المعركة وغليان الحال، كرما وعفوا من الأمير الحكم - رحمه الله! - وعف الحكم عن الأموال والحرم. وتفرق أهل الربض في جميع أقطار الأندلس؛ ومنهم من جاز البحر إلى العدوة بالأهل والواد؛ فاحتلوا بعدوة فاس، فهم عدوة الأندلس منها؛ فصيروها مدينة. ومنهم أهل جزيرة إقربطش؛ فذكر أنه لم يخرج منهم طائفة بناحية من نواح الدنيا إلا وتغلبوا عليها، واستوطنوها على قهر من أهلها. وأكثر من هرب من أهل العلم والخير ممن اتهم أو خاف على نفسه إلى ناحية طليطلة، ثم أمنهم الحكم، وكتب لهم أمانا على الأنفس والأموال، وأباح لهم التفسح في البلدان حيثما أحبوا من أقطار مملكته، حاشى قرطبة أو ما قرب منها.
وفي سنة ٢٠٦، اشتد مرض الحكم بن هشام؛ فأخذ البيعة لابنه عبد الرحمن، ثم للمغيرة من بعده. وانعقدت البيعة يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة من السنة. فبويع له ذلك اليوم في القصر؛ واختلف الناس بعد ذلك اليوم إلى دار عبد الرحمن بن الحكم يبايعونه؛ وبايعوا المغيرة في دار أخيه عبد الرحمن أيضا؛ ثم ركب المغيرة إلى الجامع، ونزل فيه يوما بعد يوم لمبايعة الناس له؛ وكانوا يبايعونه عند المنبر؛ ثم بايعوه في داره. ولما انقضت البيعة لعبد الرحمن والمغيرة بعده، أمر الحكم بن هشام بهدم الفندق الذي كان بالربض؛ وكان متقبله من أهل الإضرار والفسق؛ فهدم. وتوفي الأمير الحكم يوم الخميس لأربع بقين من ذي الحجة من السنة؛ وصلى عليه ابنه عبد الرحمن؛ ودفن بالقصر.