من باب ألبة، إذ كان ذلك الباب أنكى للعدو وأحسم لدائه؛ فاقتحموا من فج يقال له جرنيق؛ وكان وراءه بسيط للعدو، فيه خزائنه وذخره. فوقع أهل العسكر على تلك البسائط، فاستصفوها، وعلى ذخر تلك الخزائن، فانتهبوها؛ واستوعبوا خراب كل ما مروا عليه من العمران والقسرى، وأقفروها. وانصرف المسلمون غانمين ظافرين. والحمد لله! وفي سنة ٢٠٩، توفي عبد الكريم بن عبد الواحد؛ وكان قد أخذ في الحركة إلى أرض العدو؛ فاعتل. وعوض منه الأمير عبد الرحمن بن الحكم أمية ابن معاوية بن هشام. فغزا بالصائفة إلى أوريط؛ فاحتل بها، وهي يومئذ للإسلام؛ فأخذ أهل الذنوب والريب، وعفا عن الباقين؛ ثم تقدم إلى شنت برية وتدمير. وكان أبو الشماخ رئيس اليمانية يقوم بدعوة الأمين على المضرية. وكانت بينهم وقعة بمرسية كوقعة يوم المصارة بلورقة، فنى فيها من المسلمين أعم. وكان انبعاث هذه الفتنة وسببها بين المضرية واليمانية على ورقة دالية أخذها مضري من جنان يماني؛ فقتله اليماني؛ فكان ذلك سبب الحروب التي دارت بين الفريقين؛ واتصلت أعواما؛ وكانت الدوائر تدور أكثرها على اليمانية والقتلى منهم، وذلك أحد عجائب الدهر.
وفي سنة ٢١٠، أمر الأمير عبد الرحمن ببنيان الجامع بمدينة جيان. وفيها، كتب إلى عامل تدمير أن ينزل بمرسية ويتخذها موطنا؛ فكانت حينئذ موضع نزولهم وموضع قرارهم؛ وأمر بهدم مدينة آله من تدمير، ومنها ثارت الفتنة أولا. وفيها، افتتح فرج بن مسرة في أرض العدو حصن القلعة؛ وكان مسرة عامل جيان.
وفي سنة ٢١١، ثار طوريل بتاكرنا؛ فأخرج إليه الأمير عبد الرحمن معاوية ابن غانم في حشد؛ فظفر به، وقطع عاديته.