مضوا بمراكبهم، واعتركوا مع المسلمين. فانهزم المسلمون، وقتل منهم ما لا يحصى. ثم عادوا إلى مراكبهم. ثم نهضوا إلى شذونة، ومنها إلى قادس، وذلك بعد أن وجه الأمير عبد الرحمن قواده؛ فدافعهم ودافعوه؛ ونصبت المجانيق عليهم، وتوافت الأمداد من قرطبة إليهم. فانهزم المجوس وقتل منهم نحو من خمسمائة علج؛ وأصيبت لهم أربعة مراكب بما فيها؛ فأمر ابن رستم بإحراقها وبيع ما فيها من الفيء. ثم كانت الوقعة عليهم بقربة طلياطة يوم الثلاثاء لخمس بقين من صفر من السنة، قتل فيها منهم خلق كثير، وأحرق من مراكبهم ثلاثون مركبا. وعلق من المجوس بإشبيلية عدد كثير، ورفع منهم في جذوع النخل التي كانت بها. وركب سائرهم مراكبهم، وساروا إلى لبلة؛ ثم توجهوا منها إلى الأشنونة؛ فانقطع خبرهم.
(وكان احتلالهم بإشبيلية يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة خلت من المحرم من سنة ٢٣٠) . وكان لبن دخولهم إلى إشبيلية وخروج من بقى منهم وانقطاعهم اثنان وأربعون يوما؛ فقتلهم الله وأبادهم، وبدَّد عددهم وأعدادهم؛ وقتل أميرهم نقمة من الله وعذابا، وجزاء بما كسبوا وعقابا. ولما قتل الله أميرهم، وأفنى عديدهم، وفتح فيهم، خرجت الكتب إلى الآفاق بخبرهم. وكتب الأمير عبد الرحمن إلى من بطنجة من صنهاجة، يعلمهم بما كان من صنع الله في المجوس، وبما أنزل فيهم من النقمة والهلكة؛ وبعض إليهم برأس أميرهم وبمائتي رأس من أنجادهم.
وفي سنة ٢٣١، غزا بالصائفة جليقية محمد ابن الأمير عبد الرحمن؛ فحصرها، وحصر مدينة ليون، ورماها بالمجانيق. فلما أيقنوا بالهلاك، خرجوا ليلا، ولجئوا إلى الجبال والغياض؛ فأحرق ما فيها، وأراد هدم سورها؛ فوجد سعته ثمان عشرة ذراعا؛ فتركه؛ وأمعن في بلاد الشرك قتلا وسبيا.