وتقدمت المراكب من مصب نهر إشبيلية حتى حلت بالجزيرة الخضراء؛ فتغلبوا عليها، وأحرقوا المسجد الجامع بها؛ ثم جازوا إلى العدوة؛ فاستباحوا أريافها؛ ثم عادوا إلى ريف الأندلس، وتوافوا بساحل تدمير؛ ثم انتهوا إلى حصن أوربولة؛ ثم تقدموا إلى إفرنجة؛ فشتوا بها، وأصابوا بها الذراري والأموال، وتغلبوا بها على مدينة سكنوها، فهي منسوبة إليهم إلى اليوم، حتى انصرفوا إلى ريف بحر الأندلس، وقد ذهب من مراكبهم أكثر من أربعين مركبا. ولقيهم مراكب الأمير محمد؛ فأصابوا منها مركبين بريف شذونة، فيها الأموال العظيمة. ومضت بقية مراكب المجوس.
وفي سنة ٢٤٦، أغزى الأمير محمد بن عبد الرحمن إلى أرض بنبلونة أحد قوَّاده؛ فخرج في هذه الغزوة خروجا لم يخرج قبله مثله جمعا وكثرة، وكمال عدة، وظهور هيبة. وكان غرسية إذ ذاك متظافرا مع أزدون صاحب جليقية؛ فأقام هذا القائد يدوخ أرض بنبلوبة، مترددا فيها اثنين وثلاثين يوما، يخرب المنازل، وينسف الثمار، ويفتح القرى والحصون. وافتتح في الجملة حصن قشتيل، وأخذ فيه قرتون بن غرسية المعروف بالأنفر، وقدم به إلى قرطبة؛ فأقام بها محبوسا نحوا من عشرين سنة؛ ثم رده الأمير إلى بلده، وعمر فرتون مائة وست وعشرون سنة.
وفي سنة ٢٤٧، قال الرازي: غزا محمد بن السديم أرض الحرب، وعامل الثغر إذ ذاك عبد الله بن يحيى. وكان كتب موسى بن موسى يذكر ما ناله ونال أهل بلده في إداختهم أرض الجليقيين، وما وصل إليهم من النصب، وسأل أن يكون دخول العسكر على غير ناحيته؛ فأسعف في ذلك، ودخلت العساكر على غير بلده.
وفي سنة ٢٤٨، تقدم موسى بن موسى لمقاتلة ابن سالم في وادي الحجارة؛ فنالته جراح منعته الركوب بعدها؛ وكانت سببا لهلاكه؛ فتوفي في هذه السنة.