قال حيان بن خلف في عمر بن حفصون: هو كبير الثوار بالأندلس ونسبه: عمر بن حفص، المعروف بحفصون، بن عمر بن جعفر بن شتيم بن ذيبان ابن فرغلوش بن إذفونش، من مسالمة الذمة، من كورة تاكرنا من عمل رندة. وكان الذي أسلم منهم جعفر بن شتيم؛ ففشا نسله في الإسلام. وكان له من الولد الذكور عمر وعبد الرحمن؛ فولد عمر بن جعفر حفصا. وولد حفصون هذا عمر هذا الثائر الملعون؛ فعمر هذا هو الذي ثار على الأمير محمد أولا، ثم بلغ بعد ذلك في الشقاق والفتن مبلغا لم يبلغه ثائر بالأندلس. واستوطن لأول نفاقه حصن بربشتر قاعدة وحضرة، وهي أمنع قلاع الأندلس قاطبة، وذلك في هذه السنة، وهو تأريخ صعوده الآخر إليها الذي توطد له ملكه فيه، وخالف على السلطان حتى رضى عنه بالمناركة. واتصلت أيامه في ظهور وعزة حتى قدم فيها ثلاثة من خلفاء المروانيين أئمة الجماعة بالأندلس - رحمهم الله! - أولهم هذا الأمير محمد؛ وتخلف بعدهم إلى أن هلك على يد الرابع منهم، وهو عبد الرحمن الناصر، على ما يأتي مفسرا.
وفي سنة ٢٧٣، خرج المنذر بن الأمير محمد إلى كورة رية، والقائد محمد ابن جهور. فقصد مدينة الحامة، وفيها حارث بن حمدون من بني رفاعة؛ وكان مظاهرا لعمر بن حفصون، وكانا قد اجتمعا بالحامة. فنازلهم، وناهضهم، وأحدق بهم من كل ناحية؛ وأقام محاصرا لهم شهرين. فلما وصل إليهم الضيق، برزوا إلى باب المدينة خارجا، مستقبلين للحرب. وقام بها؛ فنالته جراح، وشلت يده؛ ثم انهزم هو وأصحابه، وصاروا بين قتيل وفليل. ودخل باقيهم في الحامة. فبينا المنذر في هذه الحال من السرور، إذ أتاه الخبر بموت أبيه الأمير محمد بن عبد الرحمن، ليلة الخميس لليلة بقيت من شهر صفر من السنة؛ ودفن في القصر. وأدركه المنذر قبل مواراته وصلى عليه.