للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالحكم، وصاحب مدينة يقيم الحدود، جرى في ذلك كله مجرى السلطان في حضرته. قال: وكان فظا على أهل الريب، قامعا لأهل الشرّ؛ وكان منجعا على البر والبحر، مقصودا بالغرائب والطرف. وكانت له بإشبيلية طرز يطرز فيها على اسمه كفعل السلطان إذ ذاك؛ وكانت قرمونة تحت مملكه؛ وهو الذي حصنها وحسن بنيان سورها؛ وفيها كان مربط خيله المتخذة لركوبه؛ وبينها وبين إشبيلية كان ترداده سائر أوقاته. وكان جوادا، ممدحا، يرتاح للثناء، ويعطي الشعراء، ويضاهي في فعله كبار الأمراء، ويتفقد أهل البيوتات والشرف بالعطاء. وكان أهل قرطبة متعرضين لسيبه، فيكرمهم ويصلهم. وقد انتجعه شاعرهم الأكبر أبو عمر أحمد بن عبد ربه من بين جميع ثوار ذلك الوقت بالأندلس؛ فعرف قدره، وأفضل عليه.

ومن قوله فيه، يصف تنقله من إشبيلية إلى قرمونة (طويل) :

ألا أن إبراهيم لُجِّةُ ساحِلِ ... مِن الجودِ أرسَت فوق لُجَّةِ ساحِلِ

فإشْبِيَلةُ الزّضهراءُ تُزْهَى بمجدِهِ ... وقَرمُونةُ الغَرَّاءُ ذاتُ الفَضَائِل

إذا مَا تجَلَّت تِلكَ من نِور وَجهَهِ ... غَدَت هذِهِ للناسِ في زِيّ عاطِلِ

وإن حلَّ هذِي فَهوَ يُوحسُ هذِهِ ... فَنَهدِي بُرسلٍ نَحوَه ورَسائِلِ

وهي طويلة. ومن قوله أيضا من قصيد طويل (وافر) :

كتابُ السوقِ يَطوِيهِ الفُؤادُ ... ومن قبض الدّثموعِ لَه مِدادُ

تخطُّ يَدُ البكاء به سطوراً ... على كبِدِي ويمليها السُّهادُ

وكَيفَ وبي فؤادٌ مستطيرٌ ... لمِن لا يستطيرُ له فُؤادُ

أمِن يُمنِ يكون الجودُ خلوا ... وإبراهيم حاتِمُها الجَوَادُ

زيارته لِمَن يأتيهِ حَجٌ ... ومِدحتُه رِباطٌ أو جِهَادُ

وما لي في التخلُّف عَنه عذرٌ ... ولي في الأرض راحلِةٌ وَزَادُ

<<  <  ج: ص:  >  >>