إلى قرطبة مع جماعة من أصحابه، على أن يعقدوا مع الأمير سلما منتظما، وصلحا مبرما، لا يحيله حال، ولا يلحقه محال، على أن يستقر عمر بن حفصون ببربشتر على الطوع، ويقيم بها على الطاعة والسمع. فقبل الأمير نزاعه، وسمح بإبقائه هنالك، وأصدر ابنه ورسله إصدارا جميلا؛ ومنحهم برا جزيلا، ووجه معهم عبد الوهاب بن عبد الرؤوف واليا على كورة رية، ومشاركا لابن حفصون في عقده وحله، ومساهما له في توليته وعزله. فمكثا شريكين في الأمر والنهي، إلى أن غلب ابن حفصون على عبد الوهاب، وأخرجه من الكورة منبت الأسباب. واشتدت معرَّته، وتأكدت عاديته ومضرته، حتى همت القرى بالخلاء، والناس بالجلاء. ولم يبق بالقنبانية قرية إلا غشيتها الخيل، وعمتها الذلة والوبل، وقد ملك اللعين إستجة وأرجذونة، وأجتدهمت ثقافا، وصير فيهما من الآلات أصنافا.
فلما رأى الأمير عبد الله ما أحاط بقرطبة من ابن حفصون، ودار عليها من الحرب الزبون، أمر بإخراج السرادق إلى فحص الربض بشقندة. فلما اشتدت أطنابه، ومدت حبائله وأسبابه، بعث ابن حفصون خيلا ترمي على شقندة لعلها تأخذ السرادق السلطاني وتفوز به، وتهجم على البلد وتحيط بجانبه. فخرجت لهم الخيل إثر ذلك، وطردتهم طرادا من هنالك، ووصلت إلى ابن حفصون؛ فدفعته عن الجهة، ومنعته من تلك الوجهة، وأوى إلى حصن بلبى بقبرة؛ فجمع له الأمير أهل قرطبة، وسار إليه في نحو أربعة عشر ألفا. وحشد ابن حفصون نحو ثلاثين ألفا؛ فصدمه الأمير بمن معه؛ فنثر عقده وفرق جمعه؛ فعملت السيوف في رقابهم، وتبعت سيل أعقابهم، حتى رويت الأرض من دمائهم. ودخل الأمير عبد الله القلاع الثائرة عليه؛ وصارت يومئذ في يديه.