للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن قوله أيضا في مثل ذلك - رحمه الله - (رجز) :

يَا مُهجَةَ المُشتاقِ ما أَوجَعَكْ ... ويَا أسِيَر الحُبِّ ما أخضَعَك

ويَا رَسُولَ العين مِنْ لَحظها ... بالرَّدِ والتبليغِ ما أسرَعَك

تَذهَبُ بالسِّرِّ فَتاتِي بِهِ ... في مجلِسٍ تَخفى عَلَي مَن مَعَك

كَم حاجةٍ أنجزتَ أسرارَها ... تَبَاركَ الرَّحمانُ مَا أطوَعَك

ومن قوله في الزهد (كامل) :

يَا مَن يُراوغه الأجَل ... حتى مَ بُلهِبكَ الأمَل

حتَّى مَ لا تَخشَى الرَّدَى ... وَكَأنَّه بِكَ قد نَزَل

أغفَلتَ عن طَلَبِ النَّجاةِ ... وَلا نَجَاةَ لِمَن غَفَل

هَيهَاتَ يَشغلك المُنَى ... وَلَمَا يدومُ لَكَ الشَّغَل

فكأنَّ يَومَك لم يَكُن ... وكأنَّ نَعيَك قَد نَزَل

وله أيضا في الزُّهد (وافر) :

أرَى الدُّنيا تَصِيرُ إلى فَنَاء ... وَمَا فيها لشيء من بَقَاء

فبَادِر بالإنابة غير وَانٍ ... على شَئٍ يصِير إلى فَنَاء

كَأنَّكَ قد حُمِلتَ على سَرِيرٍ ... وغُيبَ حُسنُ وَجهك في الثَّرَاء

فَنَافِس في التُّقى واجنح إليه ... لَعَلك تُرضينَّ رَبَّ السَّماءِ

ولم يزل - رحمة الله عليه - يرفع منار الدين، ويسلك سبيل المهتدين، لم تمنعه الفتن عن النظر لنفسه، والعمل ليوم فاقته وحلول رمسه. وكانوا يعدونه من أصلح خلفاء بن أمية بالأندلس، وأمثلهم طريقة، وأتمهم معرفة، وأمتنهم ديانة؛ إلا أنه كان منغص الحال بدوام الفتنة، وتضييق نطاق الخطة، ونقصان مقدار التزكية، حتى كان يتخلله الرياء تحت قناع تقواه، والبخل بطوقه طبيعة ليست له تحط من هواه؛ وغمض دينه لما كان من هوان الدماء عليه، بسبب

<<  <  ج: ص:  >  >>