حفصون، يتتبعها معقلا معقلا، وينزل نأسه ومعرة جيوشه بكل ما ينزل به منها. وأوقع بابن حفصون ومن انحشد إليه من النصرانية في حصن طرش وقبعة عظيمة ذهب فيها كثير منهم. وبعث برؤوسهم إلى قرطبة. وألقيت للمشرك عمر بن حفصون مراكب في البحر، كانت نميره من العذرة؛ فأحرق جميعها. وسارع كل من كان بتلك الناحية من أهل شانر، وفج وسيم، وقلبيرة، والقصر، وما انتظم بها من أحواز الجزيرة إلى الدخول في الطاعة والاعتصام بها من الهلكة؛. فقبلهم الناصر - رضي الله عنه - وأمنهم، وسكن أحوالهم.
وتنقل منها إلى حاضرة الجزيرة؛ ثم إلى كورة شذونة؛ ثم إلى كورة مورور، حتى أوفى على مدينة قرمونة؛ فاحتلها يوم الثلاثاء مستهل ذي الحجة. وكان حبيب بن سوادة قد أظهر الخلاف فيها عند قدوم محمد بن إبراهيم بن حجاج قرطبة؛ فنازلته جيوش أمير المؤمنين - رحمه الله - وحوصر بها عشرين يوما، حتى عضته النكاية، وأخذت بمخنقة المحاصرة؛ ثم استأمن؛ فأمن، وسأل أن يمهل لانتقال أهله وثقله إلى قرطبة؛ فأجابه الناصر - رحمه الله - إلى ذلك، ولم يرهقه من أمره عسرا؛ وقفل إلى قرطبة؛ فدخلها يوم الأثنين لليلتين بقيتا من ذي الحجة وقد استتم في غزاته اثنين وثمانين يوما.
وفي هذه الغزاة، بعث في قاسم بن وليد الكلبي صاحب الشرطة، وكان قد خلف قرطبة؛ فسجن وسجن معه محمد بن إبراهيم بن حجاج، ومحمد بن وهيب، وعبيد الله بن محمد الرهانيُّ، وسكن بن جديدة. وعزل ابن مسلمة عن الشرطة العليا، ووليها عباس بن أحمد بن أبي عبدة.
وفيها، استقود الناصر عيسى بن أحمد بن أبي عبدة، وأعاده إلى كورة إشبيلية.
وفي هذه السنة، توفي عبد الله بن محمد الزجالي الوزير الكاتب، في ربيع الأول؛ فولي رسم الكتابة عبد الله بن بدر؛ وكان سكن بن إبراهيم، وعمر بن ناجيت كاتبي بدر الحاجب يقيمان خدمة الكتابة.