وبلغت الحاجة بالناس مبلغا لا عهد لهم بمثله؛ وبيع قفيز قمح بكيل سوق قرطبة بثلاثة دنانير دخل أربعين. ووقع الوباء في الناس، وكثر الموتان في أهل الفاقة والحاجة، حتى كاد أن يعجز عن دفنهم. وكثرت صدقات أمير المؤمنين الناصر - رحمه الله - على المساكين في هذا العام، وصدقات أهل الحسبة من رجاله؛ فكان الحاجب بدر بن أحمد أكثرهم صدقة، وأعظمهم بماله مواساة. ولم يمكن في هذا العام، لضيق الأحوال فيه، أن يكون غزاة أو إخراج جيش، غير أنَّ الناصر - رضه - أخذ بالجدّ والحزم في ضبط أطرافه، والتحفظ بالمسلمين من عادة أهل الخلاف والخلعان، إذ كانوا مع استيلاء الجوع يغاورون من قرب منهم، ويغدرون على من مر بهم من رفاق المسلمين وطالبي المعاش ومستجلبي المير.
وفي هذه السنة، ولي إسحاق بن محمد القرشي الوزارة؛ وكان ذا رأي وعناء. وفيها، ولي محمد بن محمد بن أبي زيد الشرطة العليا؛ وكان يلي الشرطة الصغرى من قبل.
وفي هذه السنة، توفي أبان ابن الإمام عبد الله - رحمه الله - يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من جمادى الآخرة. وهو ابن خمس وخمسين سنة؛ ودفن بمقابر قريش في الربض. ومات فيها لأمير المؤمنين الناصر - رضي الله عنه - ولدٌ يسمى هشاما ويكنى بأبي الوليد؛ وكان بكر ولده.
وتوفي فيها أحمد بن هشام ابن الإمام عبد الرحمن بن الحكم - رحمه الله - يوم الجمعة لعشر بقين من شوال؛ والقرشي العثماني الطارئ من المشرق في أيام الإمام عبد الله بن محمد - رحمه الله - وذلك يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رمضان. وتوفي القرشي العبدي لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر شعبان. وتوفي يحيى بن إسحاق بن يحيى بن أبي عيسى الفقيه؛ وكانت له رحلة روى فيها الحديث؛ ولم يكن بالثقة، غير أنه كان نبيلا مفوَّها. وتوفي فيها الفقيه النميري، واسمه أحمد بن عبد الله بن فرج. وتوفي أحمد بن بيطير الفقيه