ذلك بعد بروزه بثلاثين يوما. وتخلف في القصر ولي عهده الحكم أمير المؤمنين المستنصر بالله - أيده الله -. ومن الوزراء موسى بن محمد بن حدير. فلما كان في اليوم الرابع من فصوله، ونزل بمخاضة الفتح، ورد عليه بها كتاب فتح من قبل عامل مدينة الفرج، يذكر أن المشركين من أهل جليقية أتوهم في جمع كثير؛ فأغاروا على ما لاقوه في بسيطهم من الدواب والسوام، ثم عرجوا على حصن بقربهم، يعرف بالقليعة؛ فأحدقوا به طامعين في التغلب عليه؛ فانحشد إليهم جميع أهل المدينة بفارسهم وراجلهم، وواضعوهم القتال بأثبت بصائرهم؛ فمنحهم الله - عز وجل - أكتاف الكفرة، وأطال أيديهم عليهم؛ فقتلوا وأسروا كثيرا منهم، واتبعوهم من أول النهار إلى آخره، والسيف يعمل فيهم، وبعثوا بجملة من رؤوسهم؛ فاستبشر الناصر بما ورده وتفأل باسم المحلة التي كان فيها عند ورود الفتح عليه.
ونهض آما لوجهته، والحشود والعساكر تتلاحق به من سائر أقطار الأندلس، وجميع جهاتها. ونزل - رحمه الله - على مدينة طليطلة، وخرج إليه لبُّ بن الطربيشة صاحبها، مبادرا إليه، وغازيا معه؛ وكان يظهر طاعة تحتها معصية. ثم تنقل - رحمه الله - في مناقله، حتى نزل بمدينة الفرج؛ فنظر لأهلها، وعزل بني سالم عنهم، إذ شكوا بهم. واستوزر - رضي الله عنه - في هذه المحلة سعيد بن المنذر، وقدمه قائدا وضابطا لمدينة الفرج، وأغزاه مع نفسه، واستعمل على الموضع ابن غزلان القرشي صهره، واستقصى عليهم محمد بن مسور الفقيه. فصلحت أحوالهم، وعم الرضى جميعهم؛ وخرج للجهاد أكثرهم. ونهض أمير المؤمنين الناصر - رحمه الله - في جيوش تغص بها السبل، ويضيق بها القضاء الأوسع، حتى احتل بثغر مدينة سالم، وأظهر - رحمه الله - التوجه إلى الثغر الأقصى. وقدمت المقدمة نحوه. ثم عرج بالجيوش إلى طريق آلية والقلاع، وطوى من نهاره ثلاث مراحل، حتى احتل بوادي دوبر؛ فاضطربت العساكر