الساقة. فأمر الناصر - رحمه الله - بتعبئة العساكر، وضبط أطرافها؛ ثم نهض بها موغلا في بلاد الكفرة؛ فتطللوا على كدّي مشرفة وأجبل منيعة؛ ثم تعرضوا من كان في أطراف الجيش، وجعلوا يتصابحون، ويولولون ليضعنوا من قلوب المسلمين؛ فعهد الناصر - رحمه الله - بالنزول والاضطراب وإقامة الأبنية. ثم تبادر الناس إلى محاربة الكفرة، وقد أسهلوا من تلك الأجبل؛ فواضعوهم القتال، واقتحم عليهم حشم أمير المؤمنين ورجاله وأبطال الثغر وحماته، ويضعون أسلحتهم فيهم، ويمطرون رماحهم عليهم، حتى انهزم المشركون، لا يلوون على مكان مضطربهم، ولا يهتدون لوجه متقلبهم، والمسلمون على آثارهم، يقتلون من أدركوا منهم، حتى حجز الظلام بينهم.
ولجأ عند الهزيمة أزيد من ألف علج إلى حصن مويش، ورجوا التمتع فيه. فأمر الناصر بتقديم المظل وأبنية العسكر إلى الحصن؛ فأحبط به من جميع جهاته، وحوربوا داخله حتى تغلب عليه، واستخرج جميع العلوج منه، وقدموا إلى الناصر - رحمه الله -؛ فضربت رقاب جميعهم بين يديه، وأصيب في الحصن والمحلة التي كانت للكفرة بقربه من الأمتعة والأبنية والحلية المتقنة والآنية ما لا يحصى كثرة؛ وأصيب لهم نحو ألف وثلاثمائة فرس. وكسر أمير المؤمنين - رحمه الله - بهذه المحلة أربعة أيام، يغير جميع ما حواليها من نعم المشركين وثمراتهم ومزارعهم؛ ثم انتقل - رحمه الله - يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول إلى حصن كان أتخذه شانجه على أهل بقيرة؛ فألقاه خاليا، قد فرَّ عنه أهله؛ فعهد بهدمه، ولم يبرح أمير المؤمنين - رحمه الله - من محلته هذه حتى انتقل إلى حصن بقيرة من أطعمة الكفرة ألف مُدي تقوية لأهله.
ثم انتقل إلى حصون المسلمين يسكنها وينظر في مصالح أهلها؛ فكلما ألفى بقربها معقلا للمشركين، هدمه وأحرق بسيطه، حتى لقد اتصل الحريق في بلاد المشركين عشرة أميال في مثلها. واجتمع عند الناس من الأطعمة والخيرات ما عجزوا عن حمله، ولم يجدوا لها ثمنا تباع بع؛ وكان القمح في العسكر تبذل