بالله - أطال الله بقاءه - فسار - رضي الله عنه - في احتفال من جيوشه، وطبقات من رجاله، حتى احتل على حصن طرُّش؛ وكانت النصرانية قد احتشدت إليه، وتحصنت فيه؛ فأحدقت العساكر به من جميع جهاته، وعهد بمحاربتهم والتضييق عليهم ونصب المجانيق على مرتقى تصل منه حجارته إلى الكفرة. وكانوا في أول المنازلة لهم يبرزون للحرب، ويظهرون المدافعة، حتى مزقتهم الحرب، وقللت عددهم، وقلت حدهم؛ فعاذوا بالاستغلاق في داخل حصنهم. ثم تمادى التضييق عليهم، والحصار لهم، حتى أخذهم الجهد، وأشفوا على الهلاك؛ فخاطبوا أمير المؤمنين ضارعين إليه في تأمينهم، على أن يسلموا الحصن، ويخرجوا عنه؛ فأجابهم إلى ذلك، وقيل إنابتهم؛ ودخل رجاله الحصن، وخرج عنه جميع من كان به من النصرانية داخله. وهدمت قصابه وألقيت أحجارها في النهر؛ وبني في موضع الكنيسة مسجد جامع. ونظر الناصر - رحمه الله - أيام محاصرته لحصن طرش في توجيه القوَّاد والأجناد إلى حصن ببشتر وحصن أقوط وجبل الحجارة، لمحاربة سليمان وحفص ابني عمر بن حفصون، والتضييق عليهم، والانتقاص لعددهم. ثم قفل الناصر - رحمه الله - من محلته على حصن طرش يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، ودخل قصر قرطبة يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة بقيت منه، وقد استتم في غزاته هذه تسعة وستين يوما.
وفي هذا العام، استنزل بنو سعيد بن ناصح بن مستنة من حصون باغه المعروفة بعالية وربرش. واستنزل موسى بن يزيد، أخو حمصي، من الصخرة التي كان بها. واستنزال بنو مهلب من حصونهم المعروفة بقرذبرة وإشبرغيرة وغيرهما، وهدم جميعها.
وفي هذه السنة، أمر الناصر - رحمه الله - بقتل العاصي ابن الإمام عبد الله، ومحمد بن عبد الجبار ابن الإمام محمد - رحمهما الله -، إذ شهد كلُّ واحد منهما