للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أعقابهم، خاذلين لمن انتصر بهم، ورجا الغياث من قبلهم. فلما يئس أهل طليطلة أن ينصرهم أحد من بأس الله الذي عاجلهم، وانتقامه الذي طاولهم، عاذوا بصفح أمير المؤمنين، وسألوه تأمينهم، وضرعوا إليه في اغتفار ذنوبهم؛ فخرج لاستنزال أهل طليطلة، وتوطيد طاعته فيها، وإحكام نظره بها، في التاريخ الذي قدمنا ذكره؛ فنزل عليها بمحلة جرنكش، يوم الأربعاء لخمس بقين من رجب؛ وقد كان بدر إليه ثعلبة بن محمد بن عبد الوارث مقدمها، وتلقاه قبل نزوله بها، معترفا بجهله، ومستقبلا من زلته؛ فعفا عنه الناصر، وعاد عليه بفضله. ثم أمن أهل طليطلة، وخرجوا إلى العسكر، ونالوا المرافق فيه، وابتاعوا المعايش التي طال ما أجهدهم عدمها، ومنعهم الحصار منها؛ فعرفوا غبطة ما صاروا إليه من الأمن بعد الخوف، والسعة إثر الضيق، والانبساط بعد طول الانقباض. ثم ركب الناصر إلى مدينة طليطلة في اليوم الثاني من نزوله بمحلته عليها، ودخلها، وجال في أقطارها؛ فرأى من حصانتها، وشرف قاعدتها، وانتظام الأجبل داخل مدينتها، وامتناعها من كل الجهات بواديها ووعرها، وطيب هوائها وجوهرها، وكثرة البشر بها، ما أكثر له من شكر الله عز وجل على ما منحه فيها، وسهل له منها؛ وعلم أنه، لولا ما أخذ به من الجد والعزم في أمرها، لما ملكت مع حصانتها ومنعتها مع اتساعها وانفساح أقطارها، ولما اعتاده أهلها من مداخلة المشركين وموالاتهم، والاستمادا على الخلفاء بهم؛ فكم أعيت الملوك، وامتنعت من العساكر، وانصرفت عنها الصوائف بغير نجح؛ ولكن فضل الله عز وجل الذي أعطاه أمير المؤمنين، وصنعه له، وتأييده إياه أجرى افتتاحها على يديه. ثم دب فيها بناء محكما متقنا، ليكون مستقرا للقواد الملازمين فيها، وزماما على ساكنيها؛ وأرتب على البنيان بها دريّ بن عبد الرحمن قائده، وملأها رجالا وعدة وسلاحا. وركب إليها الناصر، وأمر بهدم ما وجب هدمه في المدينة، وتردد عليها ثمانية أيام حتى أكمل فيها ما دبره، وهذب ما أراده. وفتحت أسوس البنيان الذي أمر به؛

<<  <  ج: ص:  >  >>