ابن مسعود: في سنة ٣٣٥، ابتنى الناصر مدينة سالم القديمة التعطيل بالثغر الأوسط الشرقي، المواجهة لبلد قشتيلة - دمرها الله تعالى -، وهي يومئذ خالية مقفرة. وأرسل لذلك غالبا مولاه في جيش جرده معه من الحضرة، وأنفذ العهد إلى قواد الثغر بالاجتماع إليه لبنيانها؛ فسارعوا إلى أمره، وبنيت أحسن بناء؛ ونقل إليها البناؤون من بلاد الثغر للاختطاط لديارها والرباط بها؛ فتم ذلك في صفر من هذه السنة. واطمأنت الدار بمن نزلها من المسلمين؛ واكتمل بناؤها وعمرانها على مرور الأيام؛ فنفع الله المسلمين بها، وصيرها شجا في حلوق الكافرين. قال: ووافى في إثر كتاب القائد ابن حدير وابن هاشم كتاب من قبل عامر بن مطرف بن ذي النون إلى الناصر بما فتح الله له في المشركين، وقتله العدد الكثير منهم، وبعثه برؤوسهم؛ فتمت الفتوح، وعمت الفروح، وعز الإسلام، واستبشر الأنام، وطابت الأيام، بحمد وليّ الإنعام، الذي منه يرجى التمام، عز وجهه! وفيها، كان القحط الكائن بقرطبة.
وفيها، وصل إلى قرطبة أيوب بن أبي مخلد بن كيداد اليفرني الأباضيُّ رسولا من والده أبي يزيد؛ فقعد له الناصر قعودا؛ فأوصله إلى نفسه، وكرم لقاءه، وأمر بإنزاله في قصر الرصافة؛ وقد أعد له فيه من الفرش والوطاء والغطاء والآنية والآلة ما يعد لأمثاله؛ فأقام هنالك تحت نزل واسع وكرامة موصولة.
وفي سنة ٣٣٦، في يوم الجمعة التاسع من المحرم منها، ورد كتاب قند مولى الناصر، القائد يومئذ بطليطلة، بفتح فتحه الله على يده في أعداء الله أهل جليقية؛ فقرئ في المسجد الجامع بقرطبة والزهراء؛ وبعث من ذلك برؤوس وخيل أصيبت لأعداء الله.