سقط من جرف عال، فاندقت يداه ورجلاه، سنة ٣٣٤. وتولى جعفر هذا ابنه المسيلة من بعده؛ فلم يزل متوليا لها، رفيع المنزلة عند سلطانه، إلى أن قتل محمد بن الخير بن حزر الزناتي القائم بدعوة بني أمية زيري بن مناد؛ فخاف جعفر من صاحب إفريقية؛ فبادر إلى الفرار بنفسه مع أخيه يحيى وجميع أهله وماله سنة ٣٦٠؛ فصار عند بني خزر أمراء زناتة؛ فشق جعفر الصحراء معهم قاصدين لزيري؛ فالتقوا معهم، ودارت بينهم حرب صعبة انجلت عن قتل زيري وخلق من رجاله؛ واحتوى الزناتيون فيها على جميع عسكر زيري، وأدركوا ثأرهم منهم. ولما أن تم الأمر لأمراء زناتة وجعفر بن عليّ على ما أملوه من الفتح في عدوهم زيري بن مناد، بادر جعفر بمراسلة الحكم إلى الأندلس، ملقيا بنفسه عليه، معتصما بدعوته؛ ثم أرسل إليه أخاه يحيى؛ ثم سار إليه بنفسه، فحظي عنده.
قال ابن حماده: وفي ربيع الآخر من سنة ٣٦٠، التقى يوسف بن زيري الصنهاجي، المشتهر اسمه ببلقين، مع محمد بن الخير أمير زناتة؛ فهزمه بلقين ابن زيري، وقتل جماعة من أهله ورجاله. فلما أيقن محمد بن الخير أن عدوه قد أحاط به، اتكأ على سيفه، فذبح به نفسه، أنفة من أن يملكه بلقين؛ فأتى بأمر عظيم سار ذكره بأرض الغرب. وملك بلقين بن زيري إثر ذلك الغرب، وقتل زناتة، وهدم مدينة البصرة وغيرها من مدن الغرب، ولم يثن عنانا عن مدينة سبتة؛ ومنها رجع، وإليها كان انتهاؤه؛ وصدر عاجزا عنها.
وفي ذي القعدة منها، خاطب المستنصر بالله قواده وعماله بكور الأندلس في استقدام كبارها وأعلام رجالها لمشاهدة دخول يحيى بن عليّ بن حمدون وبني خزر أمراء زناتة القادمين برأس زيري بن مناد الصنهاجي قائد معد بن إسماعيل الشيعي وبرؤوس أعيان أصحابه. فلما كان يوم الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة منها، خرج صاحب السكة والمواريث، وقاضي