وبينه إلا في الاسم وحده في تصدير الكتب عنه، حتى تنامت حاله في الجلالة، وبلغ غاية العز والقدرة.
قال حيان بن خلف: وقرأت في بعض الكتب أن محمد بن أبي عامر، لمَّا حجب هشاما عن الناس واستبد بالأمر دونه، ظهرت فيهم بقرطبة أقوال معرضة أفشوا بينهم فيها أبياتا فاحشة. فمن ذلك ما قيل على لسان هشام الخليفة في شكواه لهم (وافر) :
ألَيسَ مِنَ العَجَائبِ أنَّ ... يَرَى ما قَلَّ مُمتَنِعاً عَلَيهِ
وتُمَلَك باسمِهِ الدُّنيا جَميعا ... وما من ذاك شئٌ في يَدَيِه
ومما قيل في تقديم هشام، وهو صغير لم يبلغ الحلم، وفي قاضيه ابن السليم (سريع) :
اقتَربَ الوَعدُ وحَانَ الهَلاكْ ... وَكُلُ ما تَكرَهُهُ قَدْ أتاكْ
خَلِيفةٌ يَحضُرُ في مَكتَبٍ ... وأمُّه حُبلَى وَقَاضٍ ينَاكْ
يريد بذلك شغف أم هشام بابن أبي عامر، لأنها كانت تتهم به، وهي أوصلته إلى حيث وصل من الحال التي لم يتمكن لأحد قبله ولا بعده مثلها؛ فسلب هشاما ملكه وجنده وماله.
وفي سنة ٣٧٢، قتل جعفر بن عليّ بن حمدون المعروف بابن الأندلسي؛ وذلك أن المنصور عزم - بزعمه - على إكرام جعفر المذكور ليلة الأحد لثلاث خلون من شعبان من السنة، مكرا منه، وحيلة لقتله؛ فانتخبه ساقي المجلس بكأس؛ فقال له ابن أبي عامر:(اسقها أعز الناس عليّ) . فأمسك الساقي حيرة لكثرة من ضم المجلس من العلية؛ فزجره ابن أبي عامر وقال:(ناولها الوزير أبا أحمد! عليك لهنة الله!) فقام جعفر؛ فتناولها على قدمه، واستخفه الطَّرب حتى قام يرقص؛ فلم يبق أحد بالمجلس إلا فعل كنعله، وأميلت إليه الكؤوس